ّإبراهيم الأمينهل تجوز مقارنة مسيحيي المعارضة بمسيحيي الموالاة؟ أو هل تجوز مقارنة سلوك مسلمي المعارضة أو مسلمي الموالاة تجاه حلفائهم من المسيحيين؟
ربما، قبل الاتفاق على التشكيلة الحكومية الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان، كان يمكن فتح هذا النقاش الذي سيقوم ويستمر ويشتد حتى يحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة، علماً بأن البلاد ستواجه قريباً استحقاقاً جديداً عنوانه إقرار قانون الانتخابات الجديد، بحسب ما تم الاتفاق عليه في الدوحة.
النقطة الأولى، هي أن مسيحيي 14 آذار تعرضوا لعملية نفخ كبيرة خلال العامين المنصرمين، ولم ينجح أقطاب هذا الفريق وقواه الأساسية في اعتماد سياسات صائبة، بل اعتمدوا النوع الذي يفتح الباب على مبالغات وأخطاء في التقدير والتصرف وحتى الوقوع في مآزق. وكان على الفريق المسلم في 14 آذار أن يعمد في كل مرة إلى انتشالهم منها، وكان الأمر يبدو في شكل معركة يخوضها المسلمون في الموالاة لأجل كسب أكبر قدر من المسيحيين لمواجهة النفوذ القوي للعماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية وشخصيات أخرى، وفي منع المسلمين في المعارضة، ولا سيما حزب الله، من الحصول على ما يسمّيه فريق 14 آذار تغطية مسيحية لموقف المعارضة.
في الفترة الأولى، نجح سعد الحريري ووليد جنبلاط في عملية تذخير كبيرة لمسيحيي الموالاة، وجاءا بكتلة نيابية مسيحية كبيرة، ذهب معظمها إلى حلفائهما في «القوات اللبنانية» والكتائب وبعض شخصيات «قرنة شهوان»، ثم نجحا في جعل الصورة ثابتة عند تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ومنحا هؤلاء حقائب عدة، وحضوراً سياسياً، ساعد الفريق المسيحي في 14 آذار على الانتشار شعبياً وسياسياً. وترافق ذلك مع إغداق في الكرم المادي، سواء الذي قدمته السعودية، أو الذي تولاّه تيار «المستقبل»، ومع تغطية ودعم غير مسبوقين من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وعربية عدة. ومع ذلك، فإن القاعدة التي حكمت العلاقة بين مسيحيي الموالاة ومسلميها، قضت بخضوع المسيحيين للسيطرة السياسية التامة للمسلمين في الموالاة، إذ كان يجري اختيار النواب، ومن ثم انتخابهم، بأصوات مسلمي الموالاة، وكذلك يجري تقدير الحصص والأحجام. وكلما تعقّدت الأزمة السياسية في البلاد، بدا أن القوة المسيحية في الموالاة غير قابلة للصرف، فلا هي نجحت في محاصرة العماد عون وعزله، ومعه مسيحيّو المعارضة، ولا هي نجحت، حتى بدعم من الكنيسة، في إنتاج ثنائية جدية تنعكس تقاسماً للشارع مع عون وفرنجية والآخرين، ولا هي أعادت الاعتبار إلى الحضور التاريخي للكتائب، أو الماضي القريب لنفوذ «القوات اللبنانية». وأكثر من ذلك، بدا أن الشخصيات الوزارية والنيابية والسياسية التي رُشِّحَت للرئاسة وللمواقع الأساسية انتهت في خبر كان، حتى وصلنا إلى مرحلة المواجهة الأخيرة، ليظهر أن كل انتكاسة تصيب فريق الموالاة تُحسَم من الرصيد الضئيل أصلاً لمسيحيي الموالاة، حتى جاءت مرحلة الدوحة الأخيرة، وما سبقها من نتائج للمواجهات الدامية، إذ بمجرد نجاح المعارضة في توجيه ضربات قاسية لفريق الموالاة في بيروت والجبل، حتى انهارت البنى الكرتونية لمسيحيي الموالاة، إلى درجة بدوا فيها عديمي التأثير في ما طرأ من تطوّرات وما جرى من اتصالات وما عقد من اتفاقات.
في الدوحة، لم يكن أحد يشعر بقوة الموقف لمسيحيي الموالاة، بينما كان حضور الفريق المسيحي المعارض يزداد قوة يوماً بعد يوم، والكل يتذكر أنه لم يكن هناك إمكان لإنجاز اتفاق الدوحة لولا موافقة العماد عون عليه، ولم تكن موافقة الأخير خاضعة لحسابات معقّدة، بل خاضعة لما وضعه أمامه من مهام وطموحات، وهو الذي حظي بدعم استثنائي من حلفائه المسلمين، ولا سيما من «حزب الله»، لانتزاع تركيبة حكومية تعطيه حصة الأسد في التمثيل المسيحي، وتجعله المتقدم على كل الآخرين، وكذلك إدخال تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات، بما يؤدي، وفق التوزيع الطائفي اللعين للبنان، إلى أن يتاح للمسيحيين في لبنان تقرير مصير أكثر من ثلثي أعضاء المجلس النيابي من المسيحيين، وهو الأمر الذي حاول مسيحيو الموالاة اعتباره انتصاراً لهم، وحاولوا تجييره لمصلحتهم. لكن هذا الموقف الدعائي ظل من دون قوة تنفيذية، وسرعان ما أظهرت المداولات السياسية وحركة الجمهور واتجاهات الشارع المسيحي أن القوة الحاسمة لا تزال بيد عون وفرنجية، وسرعان ما ظهر أن عشرة على الأقل من نواب الموالاة المسيحيين سوف يخسرون مقاعدهم، لأن دوائرهم لا تحظى بثقل إسلامي يرفعهم. وبعدها، بدأت رحلة تخلي الحريري وجنبلاط عن حلفائهما المسيحيين، وعندما جاءت المعركة على التشكيلة الحكومية، ظهر أن بقايا «قرنة شهوان» في موقع غير محتسب في المعادلة السياسية، حتى عندما حاول سمير جعجع تقديم عرض خاص، بإعلانه رغبته في الدخول شخصياً في الحكومة، جاء التحفّظ الفعلي عليه من جانب فريق الأكثرية المسلم، ثم ترك له إيجاد المخرج اللائق للانسحاب، فكان أن نسب القرار إلى قواعده «التي لا ترغب في رؤية الحكيم إلى جانب مَن هم أقل شأناً منه في الحكومة».
وبينما سارع مسلمو الأكثرية إلى نقل الرهان على حلفائهم المسيحيين إلى موقع رئاسة الجمهورية، ظل الفريق المسلم في المعارضة إلى جانب العماد عون، وأثبت خلال الأسابيع الماضية أنه لن يوافق على أي تشكيلة حكومية لا يوافق عليها العماد عون، ولا تحقق له التمثيل الحقيقي والجدي، بما في ذلك «تأديب» مَن «ارتدّ أخيراً إلى صفوف الأكثرية» في المتن ومناطق أخرى، وهو الأمر الذي انعكس مزيداً من المكاسب للعماد عون الذي بدأ الرئيس ميشال سليمان نفسه يدرك أنه لا مجال لمواجهته على طريقة الأكثرية، وأن فكرة استدراج سليمان إلى معركة لحساب الآخرين لم تمر بسهولة، إلى درجة يشعر فيها كثيرون بأن سليمان الذي يصر على توزير إلياس المر، إنما لا يفعل ذلك من ضمن خطة الأكثرية، بل وفق حسابات لها أساسها الداخلي، ولكن لها حساباتها الخارجية الواضحة أيضاً.
مرة جديدة، يظهر الفرق كبيراً بين الموقع غير المصطنع لمسيحيي المعارضة، كما يظهر السلوك الفعلي لحلفائهم من المسلمين بعكس من يبيع ويشتري في كل الأوقات.