نادر فوز«هذا هو فصل الصيف الأخير الذي سنفرح به، لأنهم يريدون منعنا من النزول إلى البحر بالمايوه، وتحجيب نسائنا»، عبارة أطلقها أحد زعماء الأكثرية أمام وفد من قطاع الطلاب في حزبه. يشير الزعيم إلى وجود مخطط لأسلمة لبنان. وما دام ضمن حلفائه الأساسيين الطائفة السنّية وتيّارها الأوسع تمثيلاً (المستقبل)، فالمقصود بـ«هم» الأطراف الشيعية عموماً وحزب الله خصوصاً.
ومع حوادث أيار الماضي، تزايدت الموجة المتخوّفة من قيام دولة شيعية، شبيهة بالجمهورية الإيرانية، على اعتبار أنّ «السلاح كان شيعياً وأثبت قدرته على احتلال أي منطقة في لبنان»، بحسب إحدى الشخصيات المتخوّفة من قيام جمهورية إسلامية في لبنان. تتابع الشخصية الأكثرية المتخوّفة فتشير إلى «ارتباط حزب الله بإيران ومشروعه منذ بداية الثمانينيات، وإعلان أمينه العام الانتماء المباشر إلى ولاية الفقيه، وسيطرة الحزب على الحياة السياسية في لبنان»، متسائلاً عن سبب تمسّكه بالسلاح حتى بعد انتهاء الاحتلال.
يسجّل الكاتب نصري الصايغ خطأً في تعبير «الدولة الإسلامية» على اعتبار أنه لم توجد تاريخياً دولة إسلامية. فـ«المدينة المنوّرة» كانت دولة مدنية، والدول ذات الأغلبية المسلمة هي دولة المسلمين، ولا يمكن إيجاد دولة إسلامية بسبب تعدّد المذاهب الإسلامية». ويشير الصايغ إلى أنه لا يمكن دولة أن تكون إسلامية أو غير إسلامية، «لكن يمكن أن يوجد نظام حكم إسلامي، وهو موضوع آخر». وتعليق أخير يطلقه الصايغ من باب الإحباط، إن جاز التعبير، فـ«لبنان ليس دولة لتنشأ فيه دولة إسلامية، مع العلم أنه ممكن أن ينشأ نظام إسلامي»، لافتاً إلى أنّ من يحاول التسويق لهذه النظرية ينطلق من «باب التخريف، والهدف ليس إلا إصابة المقاومة».
في المقابل، يتحدث مصدر في حزب الله عن تاريخ الطائفة الشيعية في لبنان، فيؤكد أنه «يوجد تيار شيعي يحمل مشروعاً لأسلمة لبنان وفق المذهب الشيعي»، ليشير إلى أنّ إيديولوجيا الطائفة الشيعية كانت ولا تزال تقوم على فكرتين أساسيّتين: أولاً محاربة الحرمان عن طريق الاندماج في الدولة لا عبر التقوقع أو السيطرة على الآخرين، وثانياً، المقاومة ورفض الاحتلال ومقاومة الإسرائيليين». ويشدّد المصدر على أنّ حزب الله «ابن هذه الإيديولوجيا وليس أباها، ويستحيل عيش الشيعة خارج الدولة».
لطمأنة المتخوّفين إلى عدم قيام نظام شيعي في لبنان، يمكن عرض نقاط سجّلتها شخصيات ودراسات عن استحالة قيام هذه الدولة ــــ اللادولة:
أولاً، الوزن الديموغرافي للطائفة الشيعية في لبنان لا يسمح بقيام دولة شيعية، إذ إنّ هذه الطائفة غير قادرة، سياسياً وعسكرياً ودولياً، على تخطّي الطوائف الأخرى. وهنا الإقرار، من جانب كل القوى، باستحالة قيام نظام ــــ دولة في لبنان لا يراعي المعادلة الطائفية.
ثانياً، الوزن الديموغرافي للطائفة الشيعية في العالم العربي، موضوع «مطمئن» أيضاً: يمثّل الشيعة نحو 20 مليون مواطن عربي مقابل أكثر من 300 مليون مواطن عربي آخر، أغلبيّتهم من الطائفة السنّية. ولا مصلحة لحزب الله بإظهار أي موقف معاكس للطائفة السنّية، لحاجته إلى هذه العلاقة في مشروعه (المقاومة).
ثالثاً، رفض المحيط الإقليمي لإمكان مجاورة دولة شيعية إلى أقرب المقرّبين (جغرافياً)، سوريا وإسرائيل، وصولاً إلى تركيا وسائر العالم العربي.
رابعاً، مشروع حزب الله المقاوم، الممتدّ من لبنان إلى فلسطين (حماس) إلى العراق (كل فئات مقاومة الاحتلال الأميركي). ويستند هذا المشروع إلى استمالة الجمهور العربي ــــ السنّي ــــ في الدرجة الأولى، حتى لا يتطوّر الحصار الرسمي العربي الذي يعانيه «الحزب» إلى حصار شعبي.
خامساً، تحقيق هذا النظام لا يمكن أن يكون إلا عبر العمل العسكري. وميدانياً، أظهرت حوادث أيار أنّ حزب الله (وسائر قوى المعارضة) عاجز عن ضبط الشارع المضاد، ولا يستطيع أن يفرض سيطرته الكاملة على جميع المناطق. ففي بيروت اضطرّت المعارضة إلى تعجيل انسحابها من الشارع بسبب بدء حصول «عمليات مقاومة موالية».
الحديث عن دولة إسلامية ليس إلا من باب مناوأة مشروع المقاومة، عبر استغلال الانتماء الشيعي لهذه المقاومة التي يتحمّل حزب الله المسؤولية الكاملة عن انتمائها. وهو حديث نابع من ضعف من يسوّقه، على اعتبار أنّ التجييش يبقى السبيل الأفضل لإعادة الاستقطاب الشعبي. واجب الجميع التخوّف من تحويل لبنان إلى دولة دينية، لذا ينبغي لمن يراقب أن يراقب عمل مجموعات دينية غير لبنانية تنشط على الأراضي اللبنانية.