حين «انكسرت الجرّة» بين العماد ميشال عون وميشال المر، حرص الثاني على التأكيد أنّه لم يترك التكتّل الذي نسي اسمه، لينضمّ إلى فريق 14 آذار. اختار مقابلته التلفزيونية الطويلة الأولى عبر الـ«أن. بي. أن.» ليؤكّد أن علاقته ثابتة مع الرئيس بري.يجيد النائب المر بيزنس الهندسة والسياسة على حد سواء، ولم يفوّت فرصة توجيه رسالة صريحة إلى الرئيس الجميّل، أعلن فيها أنه ندم على دعم انتخاب كميل خوري. هذه الرسالة العلنية سبقتها رسالة أخرى عبر عدد من رؤساء البلديات المتنية المحسوبين على المر من ذوي الجذور الكتائبية. سأل هؤلاء الجميّل في جلسة مسائية عن إمكان التحالف الانتخابي مع المر. أجاب: «بعد بكّير».
يقول أحد المروّجين لضرورة إحياء تحالف عون ـــــ المر إن الجميّل يفضّل التحالف الانتخابي مع عون ومعه الطاشناق، أكثر مما يريده مع المر الذي يتهمه الجميّل بسلبه زعامته المتنية وقاعدته الشعبية، رغم أن المر أدى دوراً في حماية كتائبيي المتن.
تعود علاقة المر بالكتائب إلى مطلع الستينيات، من خلال التحالف الانتخابي. دخل أبو إلياس للمرة الأولى المجلس عام 1968 على لائحة تحالف الكتائب ـــــ الأحرار. أما تحالفه الشخصي الأول مع الجميّل فيعود إلى 1972. حينها نجح الجميّل ورسب المر بفارق ضئيل من الأصوات عن الفائز البير مخيبر. وقد جاءت «الخيانة» من داخل اللائحة نفسها.
لكن العلاقة السياسية، وخصوصاً المالية، لم تقف عند هذا الحد. ساهم المر في تأسيس عدد من أقسام الكتائب، وثم شكّل الصندوق المالي الذي يلجأ إليه الجميّل للخدمات. ومن المأثور عن الجميّل أنه لا يدفع من جيبه، بل من جيب الحلفاء أو ذوي القربى.
لكن صعود نجم بشير الجميّل شكّل انعطافة في العلاقة مع الابن البكر لبيار الجميّل. جذب بشير المر لأسباب عديدة بينها حلم الوصول إلى الرئاسة، وسرعان ما تحوّل إلى أحد أبرز المقربين من قائد القوات، وأحد صانعي رئاسته القصيرة، وخصوصاً عبر المال الذي دُفع إلى عدد من النواب كي يحضروا إلى المجلس وينتخبوا بشير. قبل ذلك يقال إنه أدى دوراً مشابهاً في جلسة انتخاب إلياس سركيس، وبعده عند انتخاب إلياس الهراوي.
دفع المر ثمن تفضيله بشير على أمين. أُحرج فأُخرج إلى فرنسا التي مكث فيها عامين. لكن ما فعله مع جماعة الجميّل عندما أُخرج الأخير على يد القوات إلى فرنسا، لم يفعله الجميّل في السابق مع أنصار المر وممتلكاته. يحارب المر الشخص لا الأنصار. لذلك ساهم في صنع انتفاضة إيلي حبيقة على رئيس الجمهورية الذي كان محطّ سخرية يومية في كاريكاتور بيار صادق في جريدة «الجمهورية» التي أصدرها إلياس ميشال المر.
منذ ذلك الحين، لم يلتقِ الرجلان على موقف، ولم يصلح عطّارو الوساطات ما أفسده الخلاف السياسي والشخصي.
حين ترشح بيار أمين الجميّل للانتخابات النيابية للمرة الأولى عام 2000، ترك المر لبعض المقربين منه حرية التصويت لحفيد مؤسّس الكتائب وحامل اسمه. بعد عامين حرّض أمين الجميّل ونسيب لحود غبريال المر على خوض معركة انتخابية لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان السياسي.
بعد ثلاث سنوات، قبيل انتخابات 2005، انطلقت وساطات بين المر والجميّل الابن. كانت تجري لقاءات الوسطاء معهما ليلاً، وفي الصباح لا يتردّد الجميّل الأب في التهجّم على المر واتهامه بالفساد والتعامل مع السوريين الذين حاول الجميّل إقناعهم بالتمديد له في اليوم الأخير من عهده. لكن المر الذي اختار، مع حزب الطاشناق، التحالف مع عون، أقنع الأخير بضرورة ترك مقعد شاغر لـ«ابن الجميّل». أراد ضرب عصفورين بحجر المقعد الشاغر: إسقاط نسيب لحود، وعدم «كسر» آل الجميّل الذين تجمعه بهم قاعدة شعبية مشتركة.
يملك «أبو إلياس» ميزاناً سياسياً خاصاً. يحسبها بدقّة. وإذا عاكسته الظروف وخبا نجمه، لا يلبث أن يعود من الباب العريض ويلعبها قويّة في الاستحقاقات الكبيرة. ولكن لماذا لم يلاقِ الجميّل مبادرة المر نحوه؟
يقول المطلعون إن الجميّل سيتجنّب شرب كأس المر، إلا إذا أرغمته الظروف. لذا جاء جوابه «بعد بكّير». كما لم يقلّل المطلعون أنفسهم من الدور الذي يمكن أن يؤديه سامي الجميّل على هذا الصعيد، متذكرين الخلاف الذي افتعله مع المر في قداس ذكرى بيار الجد.
ويسأل هؤلاء: ألا يعني تحالف ميشال المر مع أمين الجميّل تحالفاً مع نسيب لحود والقوات اللبنانية؟ فهل يهضم المر تجيير أصواته للقوات التي خاصمها ويقال إنها حاولت اغتياله ذات يوم؟
ما من أحدٍ يعلم نحو أيّة جهة سيميل ميزان أرثوذكسي المتن.
(الأخبار)