غسان سعودمع تبدد آمال انتخاب الرئيس مرة أخرى، تتحول الأنظار مجدداً صوب الانتخابات النيابيّة، كمدخل كانت المعارضة منذ البداية تراهن عليه لإعادة تكوين السلطة.
لكن، وكما تتباطأ المعارضة والموالاة في إنشاء فريق عمل يضم باحثين ومتخصصين في الانتخابات لتحديد نقاط القوة والضعف، ويدرس احتمالات النجاح والفشل وفق شكل الدوائر، يبدو أن الفريقين متواطآن ضمناً لإبقاء هذا الاستحقاق، إذا حصل، في إطار الصراع على السلطة، وبالتالي، تضييع فرصة استغلال الانتخابات لوضع حجر الأساس لبناء الدولة التي نزل مئات الآلاف للمطالبة بها يوم 14 آذار 2005 وادعت وثيقة التفاهم بين التيّار الوطني الحر وحزب الله أنها هدفها الأسمى.
فالمفارقة، يقول الباحث عبده سعد، إن «مقاربة طرفي الصراع تنطلق من نقاشهما في أي قانون انتخابي نريد بدل التركيز على ماذا نريد من قانون الانتخابات». فعلى السؤال الثاني، يتابع سعد، «لا يمكن أن يجيبوا أنهم يريدون ضمان استمراريتهم فقط، هنا يصبح البحث في قانون الانتخابات قيّماً. وهذا يبدأ بالاعتراف بأن ثمّة في لبنان أزمة دولة لم يستكمل بناؤها، ودور قانون الانتخاب يرتكز على تجسيد المقولات الدستوريّة وبناء المؤسسات على نحو يسمح بتداول هادئ للسلطة. إضافة إلى تعزيز قدرة المواطنين على تقرير مصيرهم وانتخاب ممثليهم». ويعدد سعد أمثلة عن «سخافة لبنانيّة» ثبت عقمها في محاولة تعزيز المواطنيّة تارة عبر تكرار ببغائي يومي للنشيد الوطني وطوراً عبر الخدمة العسكريّة الإجباريّة.
ويشرح سعد أن معظم «الصخب التحليلي» الذي يرتفع كلما ذكرت الانتخابات، هو دون معنى، وهدفه تضييع الرأي العام. إذ ثمة نظامان انتخابيان إما نسبي وإما أكثري. وفي الثاني، وفق معظم القوانين المعروفة، تكون الدوائر فرديّة، لكل مقترع فيها الحق بانتخاب مرشح واحد، ممّا يعزز قيمة الصوت الناخب ويحفّز المشاركة.
ويعتبر سعد أن نظم الانتخابات التي تعتمدها الحكومات اللبنانيّة منذ أقرَّ دستور 1926 تسمح بالاقتراع لا بالانتخاب. وقد بقيت القوانين دائماً أكثريّة مع تنوع في شكل الدوائر، جازماً بأن «الإصلاح مستحيل في ظل قانون كهذا يشكل «قانون فؤاد بطرس»، والكلام وفق سعد، وجهاً آخر من وجوهه. شارحاً أن قانون بطرس، ذو المفاعيل الأكثرية رغم تسميته نسبيّاً، يكرس قبضة «زعماء الطوائف» على الحياة السياسيّة، ويهدف اساساً إلى ضمان استمراريتهم بزخم أكبر ربما.
هكذا، وعشية بدء الاستعدادات العمليّة للانتخابات النيابيّة، وشروع قوى موالية في عمل جديّ على هذا الصعيد، يتفهم سعد سعي السياسيين، على تنوعهم، لاقرار القانون الذي يعزز سطوتهم، لكنه يلوم «المثقفين المفترضين وقوى المجتمع المدني الذين لم يحددوا بعد مكمن الخلل البنيوي، ولم يجمعوا على أن القانون الانتخابي هو المدخل الوحيد لبداية الإصلاح السياسي، وبالتالي تحويل الاستحقاق النيابي من مجرد محطة في صراع زعماء الطوائف المستمر إلى حجر زاوية في التأسيس للدولة الموعودة».