فايز فارسمنذ عشر سنوات كان بإمكان الشعوب العربية أن تحلم، أقلّه بأغنية تجمع الشمل وتوحّد القلوب. وكان اللبنانيون الجنوبيون مؤمنين بقدرتهم على إنجاز عملية التحرير التي تمت ففاجأت الجميع، وبخاصة أصحاب الضمير الغافل والمصالح الفئوية وتجّار السياسة. وكان الفلسطينيون في ذروة انتفاضتهم الشعبية موحّدين متعاونين. وكان العراقيون في حالة صمود وتصدّ في مواجهة الحصار الأميركي والحظر الدولي. وكان «السلام السوري» أو «باكس سيريانا» قائماً على قدم النظام العربي وساق المشروع الأميركي واليد الأوروبيّة الممدودة. وكانت الشعوب العربية وإعلامها يزغردون لقرارات القمم العربية في شرم الشيخ والخوري والمطران.
وكانت فرنسا الرئيس جاك شيراك إلى جانب لبنان، كل لبنان، ومؤيدة للمقاومة اللبنانية الجنوبية ضد الاحتلال الإسرائيلي الرابض على الصدور. وكان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قاب قوسين من عملية إنجاز اتفاق ما بين إسرائيل وسوريا حافظ الأسد من جهة، وتحقيق تفاهم إسرائيلي ـــ فلسطيني متقدّم على كل الاتفاقات السابقة... لولا وقوعه الرخيص في فخ مونيكا لوينسكي. وكان برميل النفط العربي يباع في الأسواق العالمية بعشرين دولاراً أميركياً فقط لا غير.
وسقط القناع وذاب الثلج وبان المرج، وطار الحلم العربي، لأن أميركا جورج بوش الابن قرّرت قلب الطاولة على رؤوس الجميع. وبدأ تنفيذ خطة جهنمية مجرمة مدمّرة، وإن بدت مع الوقت أنها نصف خطة استُكملت بقية عناصرها خلال عملية التنفيذ على الأرض... العربية. وإذ بأسامة بن لادن العربي المسلم، «كارلوس» القرن العشرين، يعلن الحرب من أراضي أفغانستان على أميركا والعالم، لأنّ الاستخبارات الأميركية لم تفِ بوعدها له، لا بل سخرت منه. فأنا لم أشك يوماً بأنّ بن لادن ما زال يحلم بقلب النظام الملكي العربي السعودي وتأسيس الدولة الإسلامية الفضلى وإعادة نظام الخلافة الإسلامية بأي شكل من الأشكال إلى أرض الحجاز.
وفشلت جهود «الجبّار» الأميركي وحلفائه الدوليين والإقليميين، في تحرير العراق من حكم أصدق حلفائهم على الإطلاق، بعدما أنتجت عمليتي غزو العراق واحتلاله أكثر من مئة صدّام حتى الآن.
وتلطّت إسرائيل وراء جدار وهمي بقصد حماية نفسها من انتفاضة شعب عنيد أبى الخضوع وما زال منذ عقود، وهوى «نظامها الديموقراطي» مفخرة الفكر الغربي المنافق ليحلّ محلّها قريباً نظام تيوقراطي عنصري. وأُدخل لبنان المنكوب بـ«زعاماته التاريخية» في أتون لم يكن يخطر على بال إنسان عاقل. وإذ بهذه السنوات الثلاث الماضية تحمل إلى لبنان واللبنانيين أجمعين ما فاتهم خلال حروبهم العبثية التي أدّت إلى وضعهم في المحجر السوري الأميركي المشترك.
وفاجأت المقاومة الشعبية اللبنانية الجنوبية العرب والعالم بقدرتها على التصدّي والصمود في مواجهة أشرس عدوان تشنّه إسرائيل وأميركا على الشعوب العربية، منذ نشأتها وإلى حين زوالها.
وكالعادة يبادر فنانون مبدعون ملتزمون، بين منتج وشاعر وملحّن ومطربين منشدين وتقنيين، إلى إطلاق أغنية ـــ أنشودة قادرة على جمع الشمل وتوعية الناس المقهورة ورفع معنوياتها. فالعمل الفني الراقي يحاكي الإيمان الحقيقي الصادق الفاعل في بحثه عن كل حق وخير والجمال. «الضمير العربي» أنشودة أنتجتها عقول نيّرة وقلوب خفّاقة وأصوات صدّاحة لتصيب الضمير النائم الغافل المستغفل من جهة، ولتتحوّل إلى أسهم ناريّة ثائرة في يد أصحاب الضمير الحي فتضيء ظلام الليل، ليل الثوار، ويتردد صداها في صحارى العرب ووديانهم وآذانهم الصماء.
ألف تحية وسلام إلى المبدعين المئة وخمسة الذين شاركوا في إتمام هذا العمل الفنيّ الرائع، من المنتج أحمد العريان والملحّن طارق أبو جوده والشاعرين كريم معتوق وشوقي المصري وكل المطربين المنشدين والتقنيين.