في أول ظهور لها منذ اندلاع الأحداث، بدت النائبة بهية الحريري في خطابها أمام أنصارها الذين احتشدوا في دارتها في مجدليون كمن يشحذ الهمة في نفوس الجمهور الذي هاله التراجع السريع أمام التقدم المعارض، فتحدثت «عن البقاء والصمود، ومشروع رفيق الحريري الذي هو مدرسة وليس مجرد مكاتب. وإن قويتم علينا بالسلاح، لكن لن تستطيعوا أن تنزعوا المحبة من القلوب». وقد تردد الحديث عن اجتماعات بعيدة عن الأضواء بين الحريري ووفد مركزي من منظمة التحرير الفلسطينية لتدارس الأوضاع. وكانت المعارضة في صيدا قد رصدت محاولة مستقبلية للتحرك وإعادة الأمور إلى الوراء عبر إعادة التموضع في نقاط وجس النبض، فيما عقد عدد من المسؤولين في «التيار» اجتماعات تقويمية في فيلّا الحريري لما حصل وقرروا تنفيذ خطوة مباغتة إعلامية بحيث وضعت ليلاً لافتات تدعو إلى الصبر، وخطوة شعبية إذ قرر المجتمعون تنفيذ اعتصام شعبي أمام دار الفتوى الذي يبعد عشرة أمتار عن المركز الرئيسي لتيار المستقبل، وبالتالي يضربون عصفورين بحجر، إثارة المشاعر أمام دار الفتوى في سياق الجهود التي تشير إلى مذهبة الأزمة من جهة ورفع المعنويات واستنهاض الجمهور المستقبلي واستعادة المركز من جهة ثانية. وعلى الفور، باشر النائب أسامة سعد بإجراء اتصالات بهدف وقف التسلل، وأرسل رسالة شديدة اللهجة إلى الحريري عبر مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان، مفادها «لا تدخلوا من النوافذ، والأمر إذا ما جرى فسيكون لنا فيه كلام آخر، ولا تفهموا حرصنا على أمن المدينة من منطلق ضعف إنما من موقع المحافظة على الهدوء وتجنيب المدينة الخضات، فلا تدفعونا إلى المكان الذي لا نريده»، وكان لسعد ما أراد فنقل الاعتصام إلى دارة الحريري وسط تكتم شديد بلغ حدود عدم إبلاغ الإعلاميين إلا في اللحظة التي انطلق فيها.ومع بدء وصول أخبار عن تجمع مجدليون، جرت خطة سريعة من المعارضة للتصدي لأية محاولة لتسيير موكب سيّار يعقب الانتهاء من التجمع في دارة الحريري، وهذا ما لم يحصل.
وقد يكون تيار المستقبل قد ارتكز على ثغرة «الدفرسوار» في تنسيق المعارضة والتي تمثلت بالحادثة التي وقعت خلال تسليم مراكز المستقبل للجيش اللبناني في صيدا عندما حصل إطلاق نار وقذائف صاروخية في محلة مرجان البراد وأدت إلى مقتل مدنيين، وهي ثغرة عملت قيادة المعارضة بشكل حاسم على سدها وعدم السماح باستغلال تيار المستقبل لها.
أما الحريري فأكدت «أننا باقون وصامدون ومؤمنون بما قمنا به، ولسنا نادمين على حماية صيدا وأهل صيدا من كل أنواع الانزلاقات»، لافتة إلى أنّه «لا توجد قوة في العالم مهما عظمت ومهما كبرت يمكن أن تركّع صيدا وأبناءها». وقالت: «ستبقى صيدا وفية وقوية وحاضنة للعيش المشترك والقضية الفلسطينية، وستبقى صيدا ومخيم عين الحلوة يداً واحدة في وجه كل من يحاول تعكير السلم الأهلي في المدينة».
إلى ذلك، شيّع حزب الله الشهيد جعفر كرنيب في بلدة عيتا الجبل (قضاء بنت جبيل). قبيل التشييع، يلحّ طفل على أمه بأن تحصل على أحد أعلام حزب الله الصفراء والسوداء المركونة في زاوية روضة الشهيد جعفر كرنيب قبيل بدء مراسم تشييعه. يريد أن يحمل علماً ويسير مباشرة وراء النعش، فتقول له أمه: «بالتأكيد ستأخذ علماً، لكن استأذن القائد أولاً. فمن لم يزل في البطون سيحمل اليوم راية حزب الله».
وقد حملت الشوارع والساحات وأعمدة النور والأشجار رايات حزب الله، تؤازرها أعلام حركة أمل في بلدات ميس الجبل وعيتا الجبل وبرج رحال وعين قانا وفي الطرقات إليها التي فتحت لتمر الجنازات من بيروت نحو الجنوب الذي ساهم بالأحداث الأخيرة بدماء شبابه الذين شيعوا في تشييعات حل فيها الحزن وغابت عنها التأبينات والخطابات السياسية.
في عيتا الجبل، الكل مقتنع بأن الواجب ذاته يفرض نفسه هنا كالموت والشهادة فداءً للمقاومة وحماتها مثل محمد ومن بعده جعفر وابن خاله الشهيد خليل موسى حمود (19 عاماً) الذي كان يسير في الوقت ذاته إلى مثواه الأخير في عين قانا مثلما سقطا معاً. المرارة والنقمة في برج رحال طغتا على أي اعتبارات أخرى لأن فقيدها وسام خليل حاطون (26 عاماً) ليس الشهيد المجاهد، فحسب بل المظلوم أيضاً لأنه لقي حتفه برصاص القنص حينما كان ينقل الطعام لعناصر الأمن المحاصرين حيث يعمل في نقابة المهندسين في بيروت.
على صعيد آخر، نفت الناطقة الرسمية باسم اليونيفيل في الجنوب ياسمينا بوزيان تعرّض آلية تابعة لها لاعتداء على طريق المصنع على أيدي عناصر موالية لتيار المستقبل وسرقة محتوياتها، قائلة: «ليس لدينا أي وجود في تلك المنطقة».
وإذ حافظت وحدات اليونيفيل على نشاطها في قرى عملها عبر الدوريات المستمرة والنشاطات، أرجأت الوحدة الإيطالية عملية التسيلم والتسلم بين الكتائب الحالية التي تخدم في القطاع الغربي وأخرى لم تستطع الوصول إلى لبنان بسبب الأحداث.
(شارك في التغطية: خالد الغربي، آمال خليل، وداني الأمين).