ربى أبو عمّو«أنا أحد أبناء الطريق الجديدة»، هكذا أصرّ الشاب على التعريف عن نفسه. رفض في هذا الظرف على الأقل، أن يستسلم إلى انتمائه الحزبي الضيّق، فارداً كل مشاعره باتجاه منطقته التي لم تسقط على حدّ قوله، «فمقاتلو الموالاة لم يدخلوا إليها... أزلنا صور سعد الحريري المنتشرة في المنطقة، فزعيمنا لم يقف إلى جانبنا».
يعتب شباب الطريق الجديدة على زعيمهم الذي تخلّى عنهم في ظرف مصيري. انتظروا منه أن يزوّدهم بالسلاح دفاعاً عن كرامتهم، إلاّ أنه لم يفعل ذلك، وخذل كل إيمانهم به. وهذه هي النتيجة: «كنّا مجرّد طُعم. حتى حلفاؤنا لم يأتوا لدعمنا ومساندتنا. غاب الجنبلاطيون والقواتيون عن مساعدتنا في الدفاع عن منطقتنا».
الشاب نفسه يحاول تبرير موقف الحريري قائلاً إنّه لا يريد الحرب. لكنّه يستدرك قائلاً: لمَ إذاً جرى توريط مجموعة كبيرة من الشباب المتحمّسين للدفاع عن المنطقة؟
هل تنوون الرد؟ «ليس في وسعنا الرد لكوننا غير مسلّحين. لكن إذا دخلوا لاحتلال منطقتنا، فإنّنا سنتصدّى لهم بأجسادنا، ولا يهم إن كان بحوزتنا السلاح». إنّها معركة الكرامة وردّ الاعتبار.
بدأ نهار المنطقة أوّل من أمس حذراً. الأهالي يسترقون النظر من خلال شرفاتهم لاستشراف جوّ الشارع. أهو هادئ أم غاضب هذا اليوم؟ الناس يريدون معاودة أعمالهم، وفتح محالّهم التي أُنهِكَت بفعل إغلاقها. أرادت أن تكسر الحزن، وتوهم نفسها بأنّ الحياة ستبقى طبيعية، رغم أصوات إطلاق الرصاص الآتية من هنا وهناك.
إذاً فكّت المحال حال الحداد. لم تكفِ أشعة شمس نهار الأحد لإضفاء الدفء على المكان. فالروح الشعبية التي اعتادت أن تزين أحياء المنطقة بصيحات بائعيها، ضحكاتها، أصواتهم التي يحيّي بعضها بعضاً، لم تُسمع. غابت مرة واحدة. هو صمتٌ حزين، أشبه بانكسار منطقة أرادت أن تخوض حرباً لتدافع عن حدودها، إلّا أنها خسرت قبل أن تبدأ المقاومة.
الظهيرة. ارتفع صوت القرآن وصيحات «لا إله إلاّ الله». إنه تشييع الشهيد محمد شماعة الذي سقط في المعارك المتنقلة بين أنصار الموالاة والمعارضة. لحظة حزن تنتقل عبر الأزقة، تصل إلى تعاونية صبرا، لتأخذ أحد المفارق شمالاً للوصول إلى مقبرة الشهداء. بدأت المحال التجارية بالإقفال من تلقاء نفسها احتراماً للتشييع. إلّا أن حسن الصباغ، الذي يضع صوراً للسيد حسن نصر الله على الواجهة الزجاجية لمحلّه المخصّص لبيع معدات السيارات، رفض أمر الإغلاق. أصرّ الشباب على طلبهم إغلاق المحل احتراماً للجنازة، وهي عادات البيروتيّين. إلا أنه رفض مجدداً.
يروي أحد مناصري تيار المستقبل عن الحادثة قائلاً إن الشباب حاولوا اقتحام محل الصباغ ليجبروه على إغلاقه، إلا أنه سارع إلى الدخول إلى محله وإطلاق النار من الداخل، ما أدى إلى سقوط عدد من الشباب أرضاً. فهاجمته مجموعة أخرى معتقدة أنه لن يقدم مرة أخرى على إطلاق النار. كان الرهان خاطئاً. انطلقت زخات الرصاص، ما أدى إلى سقوط المزيد من القتلى والجرحى. وفي هذه الأثناء، هرب أولاده وعامله من المحل، وأقدم الشباب المشاركون في الجنازة على إحراق المحل، فيما الرجل لا يزال داخله، إلى أن تدخّل الجيش بعدما عمدت إحدى الفرق إلى الانسحاب في وقت سابق، فتمكنت من إلقاء القبض عليه. هذه الحادثة أثارت حالة من الجنون بين شباب المنطقة، فعمدوا إلى تحطيم متجر عصير، باعتبار أن مالكه شيعي.
اختتم نهار السبت بسقوط عدد من القتلى والجرحى. إلا أن أهالي الطريق الجديدة شعروا بسقوط منطقتهم. ورغم إصرارهم الشرس على عدم السماح بإعادة أحداث الـ 85، بات بعضهم ينكر انتماءه إلى هذه المنطقة، مكتفياً بالعتب على زعيم لن يتنكّروا له، لأنه لا بديل له.