strong>مبادرة إنقاذية للدروز أعلنها طلال أرسلان من خلدة. تفويضان علني وسرّي من وليد جنبلاط والسيد حسن نصر الله يجعلان من الأمير «ناظراً» لتطبيق قرار نزع سلاح الميليشيات الذي نصّ عليه القرار الأممي 1559
خلدة ــ عامر ملاعب
المشهد على طول طريق صيدا القديمة التي تربط مدينة الشويفات بالضاحية الجنوبية لبيروت كان كارثياً أمس. جثث عدد من المقاتلين متناثرة في الشوارع. مئات من فوارغ طلقات الرصاص التي تركت آثارها على السيارات وجدران المباني. محال ومنازل محترقة وزجاج محطم. بعض الناس عادوا لتفقد بيوتهم، لكن عدداً كبيراً منهم فضّل انتظار التطورات الأمنية، وتحضيرات ميدانية لتشييع الضحايا الذين قيل إن أعدادهم فاقت 34 من كلا الطرفين. حيث تشيّع اليوم بلدة قبّيع مالك يوسف زين الدين، وسيم شوقي زين الدين ومعن عادل أبو فخر الدين، وبلدة رويسة البلوط هيثم خداج، وبلدة كفرسلوان كفاح حاطوم.
وبالانتقال إلى القرى الدرزية صعوداً، يختلف المشهد قليلاً لناحية حجم الأضرار، بالمقارنة مع الشويفات، لكن المشترك بين الساحل والجبل الهدوء الحذر الذي ساد المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية. خطوات تنفيس الاحتقان بدأت آثارها بالظهور وتمثلت عبر إطلاق عدد من الموقوفين، بينهم موظفو بلدية عاليه الأربعة وعودتهم إلى ذويهم في مدينة عاليه، وهم: ربيع مراد، وسام الدنف، مجيد زحلان وبشير شهيب، حيث قام الجيش بتسليمهم إلى رئيس البلدية وجدي مراد، وتقدم النائب أكرم شهيب بـ«الشكر إلى كلّ من سعى لإطلاق سراحهم سالمين». كما أطلق عدد آخر من الموقوفين وسلّموا إلى ذويهم من قبل أحزاب المعارضة الجبلية، ومن بينهم زياد محمد الينطاني وحسام قاسم قرضاب.
وتابع الجيش اللبناني انتشاره في بلدات عيتات وعين عنوب وعاليه، وعلى أطراف بلدة بيصور المواجهة مع بلدة كيفون، وهو يقوم بتعزيز بعض النقاط التي تسلمها من المقاتلين، وكذلك تسلم الطريق الدولية من عاليه إلى المديرج مروراً ببلدات بعلشميه وبحمدون وصوفر. وتسلم مراكز الحزب الاشتراكي في مدينة عاليه وخلوات فالوغا، كذلك أخلى الجيش اللبناني مركزاً للقوات اللبنانية في حمانا وطلب من عناصره نزع صور رئيس الهيئة التنفيذية سمير جعجع عن الحائط الخارجي للمركز. كما انتشر في عدد من قرى المتن الأعلى. لكن العديد من قرى غرب عاليه كانت لا تزال تجرى مفاوضات لدخولها، وأهمها بلدة قبرشمون حيث أفاد شهود عيان عن استمرار تمركز عناصر الاشتراكي بأسلحتهم في ساحتها التي تشكل عقدة مواصلات لمختلف قرى المنطقة ومنفذاً لقرى المناصف في الشوف الذي شهدت مختلف مناطقه هدوءاً حذراً أيضاً، وقد بدأت وحدات الجيش بالانتشار بدءاً من الدامور صعوداً نحو قرى الشوف الأعلى وإقليم الخروب، في الوقت الذي سادت فيه أجواء التوتر منطقة الباروك الجبلية أمس بعد اشتباكات امتدت إليها بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وانتهت فجراً.
وفي منطقة إقليم الخروب عقد مسؤولون من الحزب الاشتراكي اجتماعات مع الأحزاب والفاعليات الاجتماعية في قرى وبلدات الإقليم والجية وجون والوردانية تهدف إلى تكريس «الحفاظ على السلم الأهلي».
وفي حاصبيا مركز القضاء، تدور مفاوضات ومشاورات داخل الحزب الاشتراكي لتسليم الحزب الديموقراطي مفاتيح المركز تمهيداً لتسليمه إلى الجيش اللبناني، وكانت لقاءات أول من امس قد أسفرت عن إجراء جردة بمحتويات المركز الاشتراكي بحضور عناصر من القومي والديموقراطي والاشتراكي، على أن يتسلم اليوم الحزب الديموقراطي المركز ويسلمه بدوره إلى الجيش اللبناني، وحتى الساعة لم ينفذ شيء. وهذا ما أكده مصدر أمني بعد ظهر أمس.
ومن خلدة، دعا رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان، أنصار النائب وليد جنبلاط إلى تسليم أسلحتهم المتوسطة والثقيلة في الجبل إلى الجيش اللبناني «على الفور» لتفادي عودة الاشتباكات إلى الجبل.
وقال أرسلان في مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس في دارته «يجب أن تسلّم جميع المراكز العسكرية ومستودعات السلاح الثقيل والمتوسط التابعة للحزب الاشتراكي إلى الجيش اللبناني اليوم قبل الغد لنزع أي فتيل تفجيري». وأضاف «أصرّ على بدء التنفيذ الفوري لتسليم السلاح الثقيل والمتوسط لأنزع نهائياً أي فتيل في الجبل».
وكان جنبلاط قد فوّض إلى أرسلان الأحد الماضي التفاوض مع المعارضة لوقف إطلاق النار في الجبل وتسليم مراكز الحزب الاشتراكي للجيش اللبناني لتجنب معركة غير متكافئة.
وقال أرسلان إن التفويض تضمن وقف إطلاق النار ونشر الجيش وتسلم السلاح. وفي حين بدا واضحاً أن البند الأول قد جرى تنفيذه بشكل كامل على الأرض، فإن البند الثاني لا يزال يواجه عوائق أساسية في عدد من القرى بحسب الجولة الميدانية لـ«الأخبار». وبالتالي بات الحديث عن اقتراب تنفيذ البند الثالث مجرد وهم.
ورأى أرسلان أن سلاح أنصار جنبلاط يشكل «مصدر أذى» للمقاومة عندما قال «لن أتحول بأي لحظة لأكون حصان طروادة لإبقاء مصادر الأذى على أمن المقاومة في الجبل».
وأردف: «المنطقة تجاوزت يوماً عصيباً كاد أن يتحول حمام دم»، مؤكداً أن «المبادرة لم تنجح بعد في سحب كل الفتائل وتفكيك كل الألغام، والتفويض هو في الحقيقة تفويضان، واحد ظهر للإعلام من قبل وليد جنبلاط، والآخر لا يحتاج إلى تظهير، لكنه هو الأصل، والأساس التفويض، وهو قد منحني إياه سماحة السيد حسن نصر الله نيابة عن كل قوى المعارضة، من موقع أمن المقاومة الذي لم أقبل ولن أقبل أن يكون الجبل عبئاً عليها، ومن هذا المنطلق جرى التفاهم مع وليد جنبلاط على آلية عمل واضحة وتفصيلية هي الآن قيد الاختبار، واتفقنا على وقف إطلاق النار وتسليم المراكز العسكرية وتسليم السلاح المتوسط والثقيل إلى الجيش اللبناني». وتابع «ما يجري الآن أن وقف إطلاق النار دخل فعلياً حيز التنفيذ، والجيش ينتشر، لكن محاولات التذاكي بدأت، والرهان على الرغبة الجامعة في تجاوز المحنة يتحول في بعض المواقع شكلاً من أشكال الابتزاز». وحدد أن «الجيش موضع ثقة الجميع، لكنه لا يتحمل الوقوف بين الفريقين في مرمى النيران والتجاذبات والخلافات، وهو موجود لتطبيق اتفاق، ورعاية أمن المواطنين وجميع الأفرقاء وحرية عملهم السياسي، لكن الأساس التزام الأفرقاء بما اتفق عليه، والمعارضة التزمت ما هو مطلوب منها». ورأى «أن اليوم هو يوم فاصل، إما أن ينجح رهاننا، وندعو الله أن يوفقنا في النجاح، وإما لا سمح الله ينهار كل شيء». وتوجه إلى «مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي ومسؤوليه وقيادته على مختلف المستويات: أتعهد بأن أكون ضمانتهم في أمنهم وكرامتهم وسلامتهم، ولكنني لن أكون عباءة لإمرار أي نكوث بالاتفاق تحت شعار حاجة الجبل إلى الاستقرار والأمن، لذلك يجب أن تكون جميع المراكز العسكرية وجميع مستودعات السلاح، وخصوصاً الثقيل والمتوسط منها، وهي موجودة، وبمعرفتنا، ولدينا لوائح وقوائم بها، لا ينفع بشأنها التذاكي أو الإنكار، أن تسلم اليوم قبل الغد إلى سلطة وعهدة الجيش اللبناني، ولن أكون حصان طروادة لإبقاء مصادر الأذى على أمن المقاومة