هدأت الأجواء في الجبل وانتشر الجيش، إلا أنّ القوى المتنازعة لا تزال تحتفظ بسلاحها. انقسم الجبليّون، موالين ومعارضين، بين تفاهمات سياسية أنجزت في اللحظة الأخيرة وبين إصرار على متابعة المعركة حتى اللحظة الأخيرة
نادر فوز
تنقل المؤسّسات الإعلاميّة الأجواء الهادئة في الجبل، إلا أنّها لا تستطيع الدخول إلى نفوس قاطنيه لنقل التوتّر والخوف والاستعداد الكامل لمعالجة أي طارئ بأي وسيلة كانت. رغم دخول الجيش إلى هذه المناطق المتوتّرة، لا يزال الاحتقان سيداً في الشوارع والبيوت، وخاصةً أنّ التسليم العسكري جاء صورياً، كما يشير عدد من المتابعين لشؤون الجبل.
ويتساءل الجميع عن أسباب عدم استمرار منطق الحسم العسكري في منطقة الزعامة الجنبلاطية، وعن سبب «التوافق» الجنبلاطي ــ الأرسلاني وإدخال الجيش لسحب أي مظهر مسلّح.
يقول المسؤول الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي، رامي الريّس، إنه درءاً للفتنة والخسائر والدمار والمشاكل الداخلية التي كانت ستحصل في حال استمرار الاشتباكات في الجبل، «ارتأينا توفير كل هذه الأمور على الجميع عبر إدخال الجيش وتعزيز موقعه ووضعه الميداني في الجبل»، مشيراً إلى أنّ التجربة المرّة لا يمكن حصرها أو إنهاؤها إذا وقعت.
ويؤكد الريّس أنّ تعاون أرسلان أسهم إلى حدّ بعيد في حلّ الأزمة في قرى الجبل.
في قراءة للأحداث التي جرت، وللتصريحات التي أطلقت خلال الأسبوع الماضي، يمكن عرض نقاط عديدة تسهم في توضيح الصورة للمخرج الذي اعتمد لإنقاذ الجبل من كارثة الحروب الصغيرة. أولاً، تدخُّل أسياد الطائفة الدرزية تحت عنوان: «هجموا الشيعة»، وحساسية الوضع الدرزي وخصائصه التاريخية، حيث إنّ الزعامتين الدرزيتين، أي آل جنبلاط وآل إرسلان، وجدتا أنّ قلب معادلة الإقطاع الدرزي وسيطرته التاريخية على الجبل يضرّ بهما ولا أحد آخر، على حساب مجموعة سياسية جديدة لا تاريخ لها.
ثانياً، تبيّن عدم قدرة جنبلاط على المواجهة العسكرية، فكان أن سادت فوضى وشائعات تمكّن من خلالها «الاشتراكي» من تظهير قدرته على المواجهة المدنيّة والشعبية عبر التجييش الطائفي، فاجتمع أبناء الطائفة حول «المدافع عنها من هجمات الطوائف الأخرى».
ثالثاً، اعتبار أنّ سيطرة المعارضة على الجبل تؤدي إلى النتيجة السياسية نفسها: أي إنّ الزعيم «التقدّمي» محاصر في بيروت، وإنّ الهدف من جرّ حزب الله إلى استخدام سلاحه في الداخل قد نجح، وإنّ الجميع التفتوا إلى ما يحصل في لبنان «من ظلم وهيمنة تعاني منها السلطة جراء سلاح حزب الله»، وإنّ الحديث عن قرارات دولية وتدخّلات عربية قد بدأ، فـ«لنجنّب الطائفة خسائر ومعارك لا تحقّق أي تغيير في المعادلة السياسية».
رابعاً، استطاع جنبلاط امتصاص ثورة أرسلان واندفاعه للعودة إلى الساحة السياسية في الجبل عبر منحه دوراً هاماً في عملية تنازل الاشتراكي وتسلّم الجيش، ما دفع «المير» إلى اتّخاذ موقف معتدل.
أما من جهة المعارضة، وحزب الله خصوصاً، فالحديث عن تقدّم عسكري لتحقيق مكاسب سياسية كان وارداً، إلا أنه سقط مع انتهاء العمليات في الجبل.
ويمكن ترجمة الأهداف من عمليات المعارضين على أطراف الجبل وفقاً للآتي: أولاً، توجيه رسالة لجنبلاط الذي استمرّ على موقفه الرافض للتراجع عن القرارين، بأنّ المعركة الأقوى والأهم هي مع «الاشتراكي» وأنّ لا ضوابط مناطقية أو طائفية في هذه المعركة الحاسمة.
ثانياً، توجيه رسالة لكلّ القوى، أنّ حزب الله قادر على خرق كل الخطوط الحمراء إذا تعرّض لأي اعتداء. ثالثاً، إبعاد خطوط المواجهة عن الضاحية الجنوبية (الشويفات)، وحماية طريقي الشام (عاليه وصوفر) والجنوب (خلدة وساحل الجبل) اللتين تصلان الضاحية الجنوبية لبيروت بالبقاع والجنوب، تحسباً لاحتمال إمكان استمرار المعركة.
وبعيداً عن حزب الله، تشير قراءة سياسية أخرى إلى إصرار أطراف المعارضة غير الأرسلانية في الجبل على ضرورة متابعة عملية الحسم العسكري، إذ إنها إذا لم تستطع الحسم والتحوّل إلى قوى الأمر الواقع، تكون قد خسرت كلياً أيّ إمكان للاستمرارية السياسية وللتعايش مع أبناء الجبل، فيما تتقدّم القوى الأخرى عنها بأشواط محافظةً على إرثها الشعبي والسياسي.
لذا يبدو موقف قوى المعارضة هذه واضحاً، وهو ضرورة متابعة الحملة المسلّحة.