غسان سعودويصل البعض إلى حدِّ اتهامهم بتعمّد التقصير للتمكن من استخدام الناس لاحقاً في الصراعات مقابل أجور.
إذ لم ينشئ هؤلاء النواب، المنشغلون في السياسة، أي مشروع صناعي في المنطقة، ولم يبذلوا جهداً لتصريف إنتاج المزارعين الذين وجدوا الأبواب السوريّة تقفل بوجههم مراراً نتيجة مواقف المستقبل السياسيّة. ولم يوفِّروا أيَّة فرص عمل لشباب المنطقة الذين غالباً ما يتكبدون جهداً مضاعفاً لمتابعة دراستهم الجامعيّة.
إضافة إلى تحمل هؤلاء النواب وبعض مسؤولي المستقبل المسؤولية عن دخول العامل المذهبي فجأة إلى المنطقة، ورعايتهم لجهد عشرات رجال الدين في إقناع الشباب بأن «السنّة في خطر» ويفترض أن يتجندوا في صفوف المستقبل للدفاع عن «أهل
السنّة».
وتأتي هذه التفاصيل لتضاف إلى الصورة البشعة التي بدأت تتكون عن عكار منذ عام كأرض خصبة لأهل «فتح الإسلام» ترفدهم بأبرز مقاتليهم، وأشهر هؤلاء أحمد القدّور المعروف بأبو هريرة، ليحل بذلك هذا الانطباع الجديد، لدى البيارتة وأهالي جبل لبنان، بأن عكار «خزّان المرتزقة» محلَّ سابقه بأن عكار «خزان العسكريين». التسمية التي تفقد قيمتها حين يتبين أن معظم مصدّقيها يستندون إلى قناعتهم بأن العكاريين يشكِّلون الجزء الأكبر من عديد الجيش «نتيجة عدم إيجادهم فرص عمل أخرى بحكم مستواهم العلمي»، علماً بأن المعارضة تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية تحويل عكاريين كثر إلى مرتزقة، إذ إن أداء النواب السابقين ومسؤولي المعارضة في عكار، والذين حكموا المنطقة لعقود، لم يكن أفضل من أداء مسؤولي المستقبل اليوم، وهؤلاء اعتمدوا طويلاً نهج إذلال الناس واستغلال حاجاتهم لإبقائهم في قبضتهم. ولم يجد العكاريون عند أحد زعماء المعارضة، ذي الحضور الشعبي القوي في عكار، إلا تكرار الإشادة ببطولاتهم وتضحياتهم وتقديمهم الابن تلو الابن على مذابح الوطن دون الإقدام على أيّة خطوات عمليّة تحتضن هذه البطولات وتبني على التضحيات. تماماً كما تصرفت المعارضة في الحوادث الأخيرة كأن عكار غير موجودة، فلم تقدم على خطوة جديّة لإنقاذ القوميّين الذين صمدوا أكثر من ثماني ساعات في انتظار ضغط معارض يفك حبل المشنقة عن رقبتهم فلم يجدوا.
هكذا، وسط ظروف اقتصاديّة ضاغطة وحياة يحكمها البؤس، وبين سندان معارضة لا تكترث بمن لا يوصل نواباً، ومطرقة موالاة تشتري لتستمر، تصبح «الخيارات» مبررة، يقول البعض. ويتحول أولئك الشبان ــــ الأسرى الذين تناقلت بعض وسائل الإعلام صورهم بافتخار، مجرد ضحايا لدولة تمادت في الغياب. دولة، يعيّر كثيرون العكاريين بأنهم لم يكونوا جزءاً منها أصلاً. فيما هم لم يدخلوها عملياً بعد.
وما زالوا يبذلون جهدهم لدخولها مرة عبر السير في «انتفاضة الاستقلال» ومرة في المزايدة باحتضان النازحين نتيجة العدوان الإسرائيلي، ومرة عبر كفايات تبرز شيئاً فشيئاً، ومرة عبر إغراق الجيش بالعديد، واليوم عبر حاجتهم المرّة إلى اللقمة.