أنطوان سعدلقد أفاد تأخير وصول الوفد الوزاري العربي إلى بيروت يومين فريق الأكثرية، وجعله يلتقط أنفاسه ويلملم جراحه، ويستعد للمنازلة السياسية المفترض أن تبدأ مع بدء الوساطة العربية. من رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، مروراً برئيس حزب الكتائب اللبنانية، الرئيس أمين الجميل، وصولاً أمس إلى رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الدين الحريري، نجحت الأكثرية في تحقيق ما يشبه ربطاً للنزاع، على المستوى السياسي، مع إبداء المرونة اللازمة في ما يختص بالقرارين الوزاريين اللذين سببا اندلاع المواجهات الأخيرة في بيروت ومعظم المناطق اللبنانية.
أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، ورغم التنازلات الكبيرة جداً التي قدمها شكلاً، فقد تمكن في المضمون من الصمود والتقليل، إلى أقل حد ممكن، من حجم الخسائر التي كان يُمكن أن تكون فادحة جداً لولا حنكته ووعي الرأي العام الدرزي المتميز الذي تجلى لدى توزيع الأدوار، وبخاصة بين القيادات السياسية والدينية والكوادر الحزبية على الأرض. لا بل أدت أوساط اشتراكية دوراً مهماً في معالجة بعض القضايا التي كان يمكن أن تؤثر سلباً على وحدة الجيش اللبناني وتماسكه، وتدخلت لدى قيادة الجيش لتأمين اتصال مباشر مع ضباط ورتباء وجنود في أكثر من موقع كانوا يتساءلون عما يجدر القيام به في ظل عدم تصدي الجيش مباشرة للأحداث الجارية.
وقد يكون جنبلاط بأدائه الرفيع هذا، يحاول التعويض عن إحداثه هذا التصعيد الذي يرده بعض المراقبين إلى سببين: الأول الرد على صد كل محاولاته المتكررة لمد اليد نحو المعارضة، والثاني التخلص من رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الذي أظهر في أكثر من مناسبة عدائية لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.
وبعدما كان الضغط قوياً على الأكثرية إبان المواجهات المسلحة بنتيجة ميزان القوى، قدمت اللجنة الوزارية العربية خدمة كبيرة لها بتأخير مجيئها إلى لبنان، بحيث بات الضغط على المعارضة التي تستمر في عصيانها المدني وفي قطع طريق المطار وفي تقطيع أوصال مدينة بيروت. ولهذا تتمسك الحكومة بإرجاء قرار إلغاء القرارين الوزاريين إلى ما بعد بدء التفاوض حتى لا يكون عليها حكماً تقديم تنازلات أخرى. وتحت عنوان «الرجوع عن الخطأ فضيلة» تحاول الأكثرية مقايضة الإلغاء بإنهاء مظاهر العصيان المدني وترك التفاوض حول المسائل السياسية التي تمثّل عمق المشكلة إلى ما بعد العودة إلى الستاتيكو الذي كان قائماً قبل السابع من أيار الجاري.
وبحسب النائب فؤاد السعد، فإن استراتيجية الأكثرية هي استيعاب الوضع وتقليل حجم الأضرار الناتجة من القرارين الوزاريين اللذين أقر الجميع بأن الحكومة أخطأت باتخاذهما. ورأى نائب عاليه أن تراجع الحكومة يجب ألا يبلغ حد استقالتها، لأن البلاد لا يمكن أن تترك في فراغ دستوري بعدما شغرت رئاسة الجمهورية وتعطّل مجلس النواب. ودعا إلى الإسراع في انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً الجمهورية، ولا سيما بعد هذه الأحداث التي يفترض أن تكون قد برهنت للمعارضة أنه لن يسمح باستفرادها داخل مجلس الوزراء المزمع تشكيله وباتخاذ قرارات ضد سلاح حزب الله وإن لم تحصل فيه المعارضة على الثلث المعطل.
أما بالنسبة إلى قانون الانتخاب الذي يمثّل النقطة الثالثة من المبادرة العربية، فيرى النائب السعد أنه ليس من مشكلة حقيقية فيه بعد إبداء النائب الحريري استعداده لاعتماد القضاء وتقسيم بيروت إلى دوائر انتخابية. وأشار إلى أن التعديلات الطفيفة المطلوب إدخالها على تقسيم الدوائر في قانون عام 1960 مثل الفصل بين قضاءي حاصبيا ومرجعيون وقضاءي البقاع الغربي وكذلك راشيا وبعلبك الهرمل هي أشبه بتصيح لهذا القانون، مضيفاً: «إذا خرجنا قيد أنملة عن قانون الستين، فسوف تصبح المصالح الشخصية هي المتحكمة بالتقسيم. كل من هم مثلنا حريصون على الديموقراطية يتمنون أن تسفر الانتخابات عن كتل نيابية أصغر، لا كما هو حاصل منذ انتخابات سنة 1992 حيث يتحكم أربعة أشخاص بمجلس النواب وسائر مرافق الحياة السياسية في لبنان».
وعن الاتهام الموجه للحكومة بأنها أخذت بتوجيهات الخارج في القرارين الوزاريين نفى السعد هذا الأمر وقال: «ربما لو استشاروا لكانوا سمعوا كلاماً يدعوهم إلى التهدئة، ولكن العكس غير صحيح، فكل الدلائل تشير إلى أن حزب الله ينسق مع إيران التي يتضح أنها تريد أن يصل نفوذها إلى البحر الأبيض المتوسط».
أما التساؤل الكبير الذي تبديه أوساط قريبة من الحزب التقدمي الاشتراكي فهو عن مواقف نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع إلياس المر. فبعدما كان صاحب رأي وموقف في قراري مجلس الوزراء غاب عن السمع ولم يعد أحد يسمع عنه شيئاً.