طرابلس ــ عبد الكافي الصمدأثمرت الجهود الحثيثة التي بذلت على نطاق واسع في طرابلس في اليومين الماضيين التوصل إلى إعلان وقف لإطلاق النار بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن، وإلى سحب المسلحين من الشوارع، وتنفيذ الجيش اللبناني انتشاراً واسعاً في أرجاء المدينة، بشكل أعاد الهدوء إلى عاصمة الشّمال، بعد أيّام من التوتر الأمني أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى، وشلّ الحركة فيها بشكل كبير.
وتمثلت ثمرة هذه الجهود في إعلان الرئيس عمر كرامي، بعد سلسلة اتصالات ومراجعات مع المسؤولين في مناطق الاشتباكات، التوصل إلى وقف لإطلاق النّار ابتداءً من السادسة من مساء أول من أمس، مناشداً فيه الجميع «الالتزام به وعدم الانجرار وراء من يحاولون إطلاق الفتن في مدينتنا الحبيبة طرابلس، وحقناً للدماء، ومنعاً للدمار»؛ وأعقبه لقاء موسّع عقد في سرايا طرابلس حضره ممثلون عن مختلف القوى السياسية في المدينة، تمّ خلاله التوافق على وقف إطلاق النّار، وإنهاء المظاهر المسلحة في الشوارع بدءاً من السّاعة السادسة من صباح أمس، التزاماً بقرار الجيش.
وقد شرح عضو «اللقاء الوطني» خلدون الشريف لـ«الأخبار» تفاصيل السّاعات الأخيرة التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، فأشار إلى أن الرئيس كرامي كان قد «أجرى اتصالات مع كل الفعاليات الموجودة في القبة والمنكوبين وباب التبانة وجبل محسن، ومع قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي، من أجل الوصول إلى تهدئة وإلى تأمين مناخ من الثقة بين الفرقاء من أجل إعلان وقف إطلاق النار. وحُدِّد الموعد على أن يُعلنه الرئيس كرامي على الهواء مباشرة، وهذا ما حصل، فقد توقف إطلاق النار تماماً في الموعد المذكور، وبدأت القوى العسكرية بالانتشار».
وأوضح الشريف أنّ كرامي «انطلق من توجيهه النداء بضرورة التزام وقف إطلاق النار، من كون أن المعركة لا تخدم إلا من لا يريد خيراً لهذا البلد»، مشيراً إلى أنّه «أخذ في الاعتبار وجود بعض الأفراد الذين قد يعبثون بأمن المنطقة ويعرضونها للخطر، وهذا ما حصل فجر أمس عندما أُطلقت النار، ولكنه لم يقابل برد، ما أدّى إلى توقفه فوراً، وإلى معرفة مطلقي النار وتعقبهم من القوى الأمنية».
وإذ لفت الشريف إلى أنه «لم يجرّب أحد خلال الأحداث الأخيرة التعرّض لنا، وهم لا يقدرون أصلاً أن يجرّبوا، وننصحهم بأن لا يجربوا»، فإنّه حرص على التأكيد أنّه «نعمل حالياً لتهدئة الأوضاع وحماية المدينة وتجنيبها هذا الصراع العبثي الذي لا يؤدّي إلى نتيجة، فكلنا أهل وأخوة. فالخلاف في السياسة مسألة مشروعة، إلا أنّ الاحتكام إلى السّلاح بين أبناء البلد الواحد ليس مبرراً».
وفي موازاة استمرار كرامي وأطراف أخرى في إجراء اتصالاتهم ومساعيهم للتهدئة بين الأطراف لتثبيت وقف إطلاق النّار، خيّم هدوء حذر على الأحياء التي كانت مسرح الاشتباكات أخيراً، وغابت مشاهد الشبان المسلحين من الشوارع، وشهد شارع سوريا الذي يفصل بين باب التبانة وجبل محسن حركة حذرة، وباشر بعض المواطنين معاينة الأضرار التي لحقت ببيوتهم ومحالهم التجارية، فيما شهد سوق الخضر والفاكهة الرئيسي زحمة لافتة، وكانت حركة السير في باقي شوارع المدينة وأسواقها شبه عادية، كما بدأ أعضاء لجان الأحياء التي شُكِّلَت، في إجراء اتصالاتهم ومتابعة عملهم على الأرض، من أجل الحؤول دون خرق وقف إطلاق النار.
إلا أن ما كان لافتاً في منطقة باب التبانة كان توجيه غالبية مسؤولي الأحياء فيها، والمسلحين والمواطنين، انتقادات وعبارات لاذعة إلى كل من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري ومسؤولي «تيار المستقبل»، حيث تساءل بعضهم: «لماذا يريدوننا أن ندفع حساب فواتير سياسية معروفة عن وليد جنبلاط وسمير جعجع وغيرهما، وماذا فعلوا لنا غير إفقارنا وإدخالنا في معارك لا مصلحة لنا بها ضد جيراننا في المنطقة، ومن ثم تركنا نواجه قدرنا وحدنا، بينما كلّ ما نريده هو أن نعيش بكرامة، وتأمين لقمة عيشنا؟».
وفي مقابل هذه الانتقادات للسنيورة والحريري و«تيّار المستقبل»، برزت إشادة لافتة بكرامي الذي «أسهم في نزع فتيل الأزمة، ويعرف وجعنا أكثر من غيره»، وفق ما أكّد كثيرون، إضافة إلى تنويه بكلّ من الرئيس نجيب ميقاتي، والنائب محمد كبارة، و«حركة التوحيد الإسلامي» بجناحيها التابعين لكلّ من الشيخين بلال شعبان وهاشم منقارة.
من جهة ثانية، نفى «الحزب العربي الديموقراطي» ما ورد في «الأخبار» أول من أمس أنّ محسن عيد، شقيق رئيس الحزب النائب السابق علي عيد، كان يُشيّع يوم أول من أمس، أثناء وقوع الإشكال بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن. وأكد الحزب أنّ «هذا الخبر عار من الصحّة، والسيّد محسن عيد بصحة جيدة ويمارس مهامه بشكل طبيعي».