الجمرة لا تحرق إلا في موضعها» هذه هي حال العائلات التي شيّعت ضحايا المواجهات المسلحة بين الموالاة والمعارضة في الجبل. أما البحث عن مخازن الأسلحة فأحجية لم يستطع أحد فهمها
عاليه ـ عامر ملاعب
حاصبيا ـ كامل جابر

مشهدان طغيا على قرى الجبل أمس. تسليم مراكز الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الجيش اللبناني وتشييع عدد من ضحايا المواجهات المسلحة التي جرت بين قوى الموالاة والمعارضة في منطقة الشويفات.
على صعيد انتشار الجيش وتسلّم المراكز، جرى تسليم مراكز الاشتراكي في كل من قرى: عرمون، البساتين وقبرشمون (وكالة داخلية منطقة عاليه الثانية وتضم عدداً من فروع الحزب في المنطقة)، بيصور، عيتات، عاليه، قبيع، الخلوات وقرنايل. وجرت عملية التسلّم في ظل هدوء أمني بالرغم من اعتراض بعض العناصر على هذه الخطوات، لكنها بقيت محدودة. ويقوم الجيش بتعزيز بعض النقاط التي تسلّمها من المقاتلين حيث جرت المعارك في اليومين الماضيين. أما على صعيد مخازن الأسلحة فلقد علم أن النائب وليد جنبلاط كلّف المسؤول الأمني في الحزب الاشتراكي العميد رجا حرب التنسيق مع الجيش لتسلمها «إن وجدت»، الأمر الذي يجعل من البند الثالث لتفويض جنبلاط إلى الوزير طلال أرسلان أحجية يصعب على الكثير من المراقبين فهمها.
من جهة أخرى، شيّع عدد من القرى والبلدات في أقضية عاليه والمتن والشوف الضحايا الذين سقطوا في المواجهات الأخيرة. وقد جرى تشييع كفاح حاطوم في بلدة كفرسلوان. وفي بلدة قبيع، أقيم مأتم حاشد للشيخين مالك يوسف زين الدين ووسيم شوقي زين الدين، ومعن عادل أبو فخر الدين في القاعة العامة، حضره حشد من الأهالي والمواطنين، تقدمه وكيل داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي في المتن فاروق الأعور وفاعليات روحية وحزبية، وألقى معتمد الحزب الاشتراكي في المنطقة وسيم بو فخر الدين كلمة قال فيها «اليوم سقطت كل الأقنعة عن سلاح الغدر على مشارف الشويفات وعيتات ورأس الجبل والباروك، كما سقطت هالة المقاومة وظهرت حقيقة الغدر الذي يضمره «حزب الله» على الدروز كافة من دون استثناء». وفي بلدة بعلشميه، شيّع هيثم خداج. كذلك شيعت بلدة الجاهلية ثلاثة من أبنائها هم: نبيل محمود قرضاب، ناصر فريد قرضاب ومرسل فريد قرضاب. كما شيع شادي عربيد في عين عنوب، وعلام نصر الدين في دير قوبل. وفي مدينة الشويفات شيع كل من أمين السوقي وشادي السوقي وزياد السوقي ومروان الجردي. ولقد اقتصرت المشاركة في هذه المآتم على الفاعليات الروحية والاجتماعية والأقارب بدون أي حضور أو تمثيل سياسيمن جهةٍ أخرى، عقد في خلوات القطالب في بعذران ــــ الشوف، اجتماع لعدد من مشايخ الطائفة الدرزية بحضور شيخ العقل نعيم حسن وقضاة المذهب الدرزي والمجلس المذهبي الدرزي. وبعد الاجتماع، حذر الشيخ حسن من «تكرار الممارسات البشعة والتعديات التي طاولت أبناء الجبل»، داعياً الجيش إلى «حفظ الأمن وهيبة القانون على كل الأراضي اللبنانية، بما فيها الجبل، ومنع كل المظاهر المسلحة من أي فئة كانت ولأي فئة انتمت، حفاظاً على السلم الأهلي». وأطلق حسن جملة من المواقف، أهمها التأكيد على صلابة ووحدة الطائفة وتماسكها وتضامنها في ما بينها في جميع ما تواجهه. وبارك الخطوات والقرارات التي اتخذها النائب وليد جنبلاط والوزير السابق طلال أرسلان «لصون الطائفة وحفظ كرامتها». ورفض «الممارسات البشعة والتعديات المشينة التي طاولت أهلنا في الجبل، محذرين الجميع من تكرارها لأنها تمس بقيم بني معروف وشيمهم وتاريخهم العريق». ودعا الجيش اللبناني «لفرض الأمن وهيبة القانون على جميع الأراضي اللبنانية، بما فيها الجبل، ووضع كل المظاهر المسلحة من أي فئة كانت ولأي فئة انتمت حفاظاً على السلم الأهلي».
وفي حاصبيا، لم تمنع ملالة الجيش اللبناني، المتمركزة في ساحة المدينة، قبالة مركز الحزب التقدمي الاشتراكي أجواء القلق والحذر السائدة على مختلف الشؤون الحياتية، أقلّها على الوسط التجاري الذي بدا تأثره الواضح بما يدور من تجاذب سياسي حوله، منعت الاتصالات المرعيّة من المراجع الروحية الدرزية تفاقمه، بعدما توصلت إلى حلول مبدئية قد تذلّل العقبات العالقة.
وإذ تؤكد المراجع الروحية في حاصبيا، أن التفاوض الدائر في المدينة على تسليم المراكز الحزبية ومخازن الأسلحة، هو «حاصباوي» داخلي، تشير بعض التكهنات الشعبية، إلى تخوف أبناء حاصبيا من هجوم لعناصر حزب الله من التلال الغربية المحاذية، من ناحية الدلافة وقليا، على المدينة لمناوءة الحزب التقدمي الاشتراكي، ويذهب البعض نحو كلام مذهبي عن هجوم شيعي على دروز حاصبيا، الذي تسارع القيادات المحلية، وخصوصاً المعارضة، وكذلك الروحية، إلى نفيه تحت عبارة «معاذ الله» من أن يكون في «نية حزب الله شيء من هذا القبيل».
ويمكن القول بانعكاس أحداث البلد، لا على حاصبيا فحسب، بل على مختلف المحيط المتوزع بين بلدات مختلطة المذاهب والطوائف على نحو حاصبيا، أو ذات أكثريات مطلقة درزية وسنية ومسيحية وغيرها؛ ومن الطبيعي تأثرها في هذه الحوادث الدائرة بين العاصمة والشمال والجبل والبقاع نظراً لتعدد مشارب أهلها السياسية المناوئة أو الموالية لهذا الطرف أو ذاك. وإذ شيعت كفرشوبا شهيديها المربي صابر القادري وزوجته، فكذلك شيعت شبعا أبناء لها سقطوا في معارك العاصمة.
ولم تنعقد سوق الثلاثاء في سوق الخان، عند مدخل حاصبيا، على نحو ما كانت عليه في الأيام العادية، بضع بسطات أو خيم هي التي تشير إلى قيام السوق، فيما غاب معظم تجاره وبائعيه ورواده القادمين إليه، عادة، من بلدات الجوار ومختلف المناطق الجنوبية. أما حركة السير على طريق مرجعيون، إبل السقي، فمثلث سوق الخان، وامتداداً نحو قرى العرقوب أو نحو البقاع، فهي محدودة مقارنة بالأيام العادية.
ويرعى مشايخ البياضة في حاصبيا عملية تسوية التشنجات الداخلية في حاصبيا، ويبرز في هذا المضمار الشيخ سليمان جمال الدين شجاع والشيخ غالب قيس الذي ينفي تدخل «حزب الله في ما يدور في داخل حاصبيا، ويضيف أنهم جماعة عاقلون، أصحاب وعد صادق؛ نحن وهم نعتبر حاصبيا والخيام وجبل عامل وكل المناطق الدرزية والشيعية والسنية والمسيحية هي منطقة واحدة.
وسأل قيس: «لماذا عندما نكون مستفيدين من جهة ما نحمد ونشكر ونساند هذه الجهة بكل إمكاناتنا، وعندما نرى، وقد تكون الرؤية خطأً، أن تغيير هذه السياسة يخدم مصالحنا السياسية ننقلب فوراً ضد من ساندنا».
أما قيادات الحزب التقدمي الاشتراكي، فقد كانت خارج السمع الهاتفي أو التواجد المحلي، من أجل الاطلاع على رأيها وموقفها تجاه ما يجري في حاصبيا. فقد أكدت مصادر في مدينة حاصبيا، أن قيادات الحزب التقدمي في حاصبيا والجوار، ومن بينهم الشيخ سليمان شجاع، تداعت منذ الصباح إلى اجتماع حزبي يعقد في منطقة الشوف. أما المؤكد، فإن الاجتماعات واللقاءات لم تزل مستمرة من أجل تذليل عقبات تسليم المراكز الحزبية التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي ومخازن الأسلحة، إذا توافرت؛ وإذ تمركزت قوة من الجيش في ساحة المدينة، أمام مركز الحزب التقدمي، وفي بعض الطرقات الداخلية، إنما الواضح أنها لم تدخل إلى هذا المركز، أو تتسلم أي أسلحة بانتظار ما ستؤول إليه الاتصالات والاجتماعات!