فايز فارسبين مجزرة نقطة العبدة العسكرية التي وقعت في مثل هذه الأيام من العام الماضي وحصدت مجموعة من العسكريين اللبنانيين ذات فجر مضيء بنور الشهادة، ومجزرة حلبا التي أُريد لها أن تكون صداً للأولى، يقف المخطّطون المجرمون العابثون بأمن ومصير الوطن والناس على مسافة واحدة، وعينهم على مجزرة ثالثة ورابعة وخامسة، إلى أن يحقّقوا غاياتهم الدنيئة وقبل أن يستفيق النائمون الغافلون ليضعوا لهم حدّاً نهائياً.
إن ما حصل في مقرّ منفذية عكار للحزب السوري القومي الاجتماعي يمكن أن يحصل في أي مكان آخر من لبنان، في بيروت والجبل والبقاع. هي مجموعات تنتشر في كل مكان في هذا الوطن الجريح المنكوب بزعاماته السياسيّة والدينيّة وتتربّص بأمن المواطن والوطن، لا فرق عندها بين مسلم ومسيحي وبين مسلم سنيّ ومسلم شيعي أو درزي.
إنها الجريمة المعولمة تسخر من جميع الأديان والمبادئ والعقائد وتهزأ بجميع المؤمنين الحقيقيين بالله وعبده.
ألم يتعلّم رجال السياسة والدين في لبنان الدرس بعد هذه العقود الثلاثة التي شهدناها والسنوات الخمس التي مرّت على العراق الجريح المشلّع، ومتى سيدركون أنهم سيكونون في عداد ضحايا العمليات المقبلة، وعلى أيدي المنفّذين ذاتهم الذين كُلِّفوا بمعرفتهم بهذه المهمات البشعة؟
سيدرك بعض رجال الدين «الضالّين» ولو ببطء إلى أي مقلب قد انقلبوا. وفي كل مرّة يقيمون فيها الصلاة ويتصفّحون الكتب المقدسة ويخطبون في الناس التي ستنظر إليهم متسائلة «لماذا كل هذا الفظاعة، وإلى أين تأخذون البلد وأهله؟»، ويسمعون أقوالهم منددين بصمت بجميع أفعالهم.
كما أنه لا بدّ من التوجه إلى النخبة الحقيقيّة الباقية في هذا البلد المنكوب منذ سبعة عقود، وبالتحديد إلى حضرات المستشارين المقربين من زعاماتنا السياسيّة، ومن بينهم من تربّى على مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعية الإصلاحية، أن يبادروا إلى وقفة ضمير. وقفة عزّ فقط، رحمة بأرواح أبائهم وبمستقبل أبنائهم، ومنعاً لفتنة وطنية ستكون أقوى من كل الفتن الطائفية المشتعلة حالياً.
بالله عليكم متى ستدركون أوجه الشبه الظاهرة ما بين أحداث 14 شباط 2005 وما يحصل اليوم؟ إنّني أراها بوضوح يدفعني إلى التمني على قيادة حزب الله الرشيدة ورئاسة الحزب السوري القومي الاجتماعي الحكيمة أن يقوما بصدق وتفانٍ بتأمين الحماية، بكل الوسائل المتاحة لديهما، لشخص النائب سعد الدين رفيق الحريري... إلى أن تنجلي الأمور وتظهر الحقيقة كاملة.
وإلى مفتي عكار أتوجّه بصدق لأقول: أنا لا أشك لحظة واحدة في أنك واحد من بين الذين يعرفون مسلكية القوميين الاجتماعيين حق المعرفة، وأنهم جماعة مؤمنة بالله رب العالمين وأنهم تصفّحوا أكثر من مرّة كتاب زعميهم ومؤسّس حزبهم «الإسلام في رسالتيه»، وأنهم يحترمون المعتقد الديني لدى «الآخر» بقدر احترامهم لعقيدتهم السياسيّة، ويقرّون بأن الإسلام مكوّن أساسي لتاريخهم وحضارتهم، وأنّ مركز منفذيّة عكار كان يضمّ بطبيعة الحال زاوية وسجادة مخصّصتان لأداء فريضة الصلاة لمن يرغب، لأن لا إكراه في الدين، والدين معاملة. هم فقط لا يتحملون سلطة رجل الدين عندما تزيد عن الحد المعقول.