راجي محمد خليفةمرّ أسبوع على استشهاده ووالدته، وكأنّ شيئاً لم يكن، ربما بالنسبة للحاقدين والمتنفّذين والمسترئسين والمتزعمين في هذا البلد، هيثم طبارة هو رقم كسائر المواطنين، أرقام لا قيمة لها إلا لتصفية الحسابات وتسجيل النقاط السوداء على جبين الوطن، الذي هو بالنسبة لهم مجرد مساحة جغرافية يجب السيطرة عليها، والاستزادة في المنافع الشخصية البحتة.
أمّا هيثم طبارة بالنسبة لعارفيه، فهو إنسان مؤمن وطني بامتياز، بالنسبة له لا فرق بين مواطن وآخر بالوطنية إلا بقدر العمل والإيمان الصادق من أجل المواطنية في هذا الوطن. هيثم طبارة لم يميّز يوماً بين مواطنيه على أساس الدين والانتماء، فالدين لله والوطن للجميع، والعمل الصالح والصادق والشريف ما هو إلا تجسيد فعلي للإيمان بالله ورسله وكتبه. هيثم طبارة هو ذلك الباسم بضياء، وهو ذلك المنفعل بهدوء، هو ذلك المعطاء بلا مقابل، وهو ذلك السموح بكلّ عزّ. منذ 8/5/2008 استُشهد هيثم طبارة ووالدته في رأس النبع وأصبحا بدمهما الطاهر رمزاً صارخاً لمدى الشرخ الأخلاقي والمدني الذي أصبح متجذراً في مجتمعنا نتيجة لنهج السياسات الفئوية والمذهبية التي يمارسها من يسمون أنفسهم «قادة» هذا البلد، ولن أقول الوطن لأن الوطن هو الذي يجمع ولكن نحن في بلد يتحوّل إلى بلدان في نفوس ساكنيه. هيثم طبارة الذي عرفته قريباً عن بعد وبعيداً عن قرب لم يكن يوماً إلا داعياً للسلام والمحبة والوحدانية والإيمان بالله الواحد الأحد، لم يكن يوماً إلا المتعالي المترفّع عن الإهانات والأحقاد والغرائز الدنيوية الوضيعة، فجاءت شهادته لتثبت مدى حاجتنا لأمثاله، فسال دمه في رأس النبع، عساه يتفجر ينابيع طاهرة تنهل منها أجيال صاعدة لم تولد بعد لتعيد الصدق إلى مجتمعنا فنعيد بناء الوطن. وختاماً أقول لك يا هيثم، لقد سقط جسدكَ ولكن نفسكَ فرضَتْ حقيقتها على هذا الوجود، رحمك الله وبارك لك شهادتك التي أكرمك بها، لأن أزكى الشهادات هي شهادة الدم.