إبراهيم الأمينلم يكن بين الدبلوماسيّين العرب الذين شاركوا في اجتماعات بيروت أي وهم في شأن حقيقة ما حصل، ولا في شأن أسباب ما حصل. لكن النقاش تركّز على أبعاد المواجهة الأخيرة في بيروت ونتائجها، وعلى الأسباب التي دفعت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى اتخاذ تلك القرارات ثم التراجع عنها بعد وقت قصير، ولا سيما أن الكل وجّه سيلاً من الأسئلة إلى فريق الدبلوماسية العربية عن موقف بلادهم من الذي جرى، وعن حقيقة وجود تغطية من جانب «عرب الولايات المتحدة» لما قامت به حكومة السنيورة.
ثمة مفاجآت في ما قاله عدد من هؤلاء، وبينهم من تحدّث عن قرار اتّخذه فريق 14 آذار في لبنان دون مشورة حكومات المنطقة الصديقة. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن جميع التقارير الدبلوماسية الواردة من سفارات هذه الدول في بيروت كانت تشير إلى الاحتقان القائم، وإلى احتمال مبادرة حزب الله إلى عمل كبير ردّاً على اقتراب الحكومة من ملفات تخصّ مصالحه الرئيسية المتمثّلة في المقاومة وسلاحها وأجهزتها. ويقول دبلوماسي بارز في دولة خليجية صديقة لفريق 14 آذار إنّ الخطأ ينطلق من أسباب عدّة، بينها أن ثمة سوء فهم في التواصل مع بعض الفاعلين في الإدارة الأميركية، وخصوصاً الفريق الذي يعتقد بأنّ توسّع دائرة المواجهات في المنطقة لا يغيّر كثيراً في برنامج الولايات المتحدة في المنطقة، وأنّ حكومة السنيورة سوف تكون محصّنة من خلال ضغوط كبيرة تمارسها الدول الغربية على سوريا وإيران وتمنعهما من القيام بأي شيء يهدّد سلطة الفريق الأكثري.
وبحسب هذا الدبلوماسي، فإن الأمور ما كانت لتسير على النحو الذي برز لو أن فريق الحكومة أخذ بملاحظات وتقديرات جهات أمنية لبنانية تعمل معه، وهي قالت إنّ حزب الله بات جاهزاً للقيام بخطوة كبيرة على الأرض، حتى إن مسؤولاً أمنياً بارزاً في فريق الأكثرية أعطى تفاصيل كثيرة عمّا افترضه خطّة متكاملة قادرة على تحقيق نتائج بسرعة كبيرة، وإن المجموعات المسلّحة التي تدرّبت تحت لواء قوى 14 آذار غير قادرة على مواجهة قوات حزب الله وحلفائه، وبالتالي فإن فكرة المواجهة العسكرية يجب أن لا تكون في الحسبان.
لكن الدبلوماسي يشير إلى خطأ في التقدير يعود إلى أن فريق الأكثرية كان يتوقع أن لا يقف الجيش اللبناني على الحياد، وأن يتصرّف بحزم مع المسلّحين، ويحول دون تحقيقهم أي خطوات على الأرض من النوع الذي حصل. ولا يملك الدبلوماسي تفسيراً لما قام به الجيش، لكنّه يكرّر ما سمعه من جهات عدة أنّ الجيش أبلغ من يهمه الأمر بأنه غير قادر على رصف جنوده بين المجموعات المتقاتلة، وأنه في أحسن الأحوال يمكنه التدخّل لفض الاشتباك بالتراضي، ولكن هذا يحتاج إلى تسوية سياسية سابقة.
لكن هذا الدبلوماسي يقول إن المشكلة تمثّلت في رهانات عند بعض فريق الأكثرية بوجود رغبة لدى جهات عربية في التدخل بأكثر من شكل إذا حصلت المواجهات. ويلفت هذا الدبلوماسي إلى أن هذا الافتراض لا يستند إلى أي معطى ولا إلى أي تعهّد، وأن الدعم السياسي وصل إلى ذروته، وكان على فريق الأكثرية الاستفادة منه في التوصل إلى صيغة تبقيه في موقع القيادة الفعلية لمؤسسات الدولة. ولكن الذي حصل هو أن هناك من أخطأ أو دفع فريق الأكثرية إلى ارتكاب الخطأ الذي أدّى إلى ما أدّى إليه.
غير أنّ دبلوماسياً من عاصمة عربية تتولى عادة القسم الأكبر من الاتصالات العربية، يقول إن هناك سلسلة من الأوهام التي سبّبت ما حصل، وإن الأمر تجاوز الحوادث ليتركز البحث على نتائج ما حصل، لأن الانهيار الميداني السريع لقوى الأكثرية سوف يوجب سلسلة من التنازلات السياسية، سواء من جانب هذا الفريق أو من جانب الفريق الداعم له عربياً ودولياً. ويقول في هذا السياق: إن القبول بالإطار الجديد للمبادرة العربية، هو بحدّ ذاته أولى نتائج هزيمة الموالاة في لبنان، وإن السعودية ومعها عواصم أخرى فضّلت أن تتولى قطر الأمر على أن تتطور الأمور سلباً ولا يكون هناك من يقدر على القيام بالمهمة. وقال هذا الدبلوماسي إن الدور القطري متواضع، وإن مصالح هذه الدولة ليست من النوع الذي يقلق الجهات المعنية، ولا يجعلها تخشى حصول انقلابات كبيرة، بالإضافة إلى أن لقطر علاقات متنوعة، من الولايات المتحدة إلى إيران مروراً بسوريا والسعودية، وهي ستكون قادرة على توظيف هذه العلاقات واستخدامها في المهمة الموكلة إليها، ولكنها لم تكن لتبادر لولا حصولها على تفويض يمكّنها من إطلاق الجولة الجديدة من الحوار.
وبحسب هذا الدبلوماسي، فإن الجانب الآخر الذي يركّز عليه الدبلوماسيون العرب، هو انعكاس ما حصل على صورة حزب الله في الشارع العربي. ويقول ضاحكاً: ربما هناك الآن رؤساء وأنظمة وحكومات يرغبون في أن يخسر حزب الله الصورة المشرقة لدى الجمهور، وأن يصيبه داء الفتنة الذي يمنع الحديث عنه كنموذج نوعي لحركات المقاومة التي تجنّب شعبها المغامرات، وأن هناك الآن عملاً كبيراً على دراسة آثار هذه المعركة، وإن كان في الولايات المتحدة وإسرائيل من يبدي قلقاً إضافياً تحت عنوان أن قوة حزب الله تمدّدت على مساحات إضافية في بيروت، وأن فريق الأكثرية أضاع ورقة كانت قابلة للاستخدام بتسخير الساحة الداخلية للضغط على حزب الله من خلال تحويل عنوان سلاحه إلى نقطة خلافية دائمة. ويقول: صحيح أن هناك الآن كلاماً كثيراً عن سقوط الحزب في فخ الحرب الأهلية أو الفتنة السنّية ــــ الشيعية، ولكن في الغرب من لا يقف عند هذه النقطة، بل يترقب القدرة على تحقيق توازن داخلي، ولا سيما إذا كانت نتائج التسوية من انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة جديدة والإعداد لانتخابات نيابية جديدة، لا تخالف مصالح حزب الله الأساسية.
ولكن كيف سيتم تدارك الأمر؟
بحسب الدبلوماسي الخليجي، فإن كل ما تقدر الدبلوماسية العربية الداعمة لحكومة السنيورة على أن تقوم به هو منح فريق الأكثرية فرصة، لكن شرط أن يكون هذا الفريق مالكاً لزمام المبادرة، بما يتيح له تحسين موقعه، وهذا أمر غير أكيد.