عمر نشابةكان للوضع الأمني المتأزم تأثيرات سلبية على عمل المؤسسات الرسمية المعنية بتأمين العدالة، إذ تعطّل عمل المحاكم والنيابات العامة والضابطة العدلية إلى حدّ كبير، وخصوصاً في المناطق التي تحوّلت إلى ساحات مواجهة بين مسلحين موالين لحكومة فؤاد السنيورة ومسلّحين موالين للمعارضة. وكان للتوتر الأمني تأثيرات سلبية على عمل لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لعلّ أبرز العناصر السلبية التي اعترضت عمل لجنة تحقيق جنائية هو قيامها بمهامها أثناء تكرار جرائم قتل وخطف في محيطها، من دون وجود سلطة تحاسب الجناة، فيصعب على محقق جنائي محترف أن يجمع معلومات وأدلّة تساعد على كشف جريمة معيّنة وقعت منذ ثلاث سنوات في مسرح جرائم أخرى وقعت أمس. واللافت هو أن إحدى الميليشيات التي تدّعي ولاءها لضحية جريمة 14 شباط 2005 الإرهابية يُشتبه فيها بارتكاب جريمة قتل جماعية في حلبا من الصعب توصيفها بغير الإرهابية. وكانت بعض مشاهد التعذيب والتنكيل بالجثث قد بثّت على شاشات التلفزة. كما أن جرائم قتل أخرى قد وقعت، يشتبه في أن مسلّحين موالين للمعارضة ارتكبوها.
التقرير الثامن للجنة التحقيق الدولية كان قد عبّر بوضوح عن المعطيات الأمنية التي تعوق عمل اللجنة. ورغم أنه كان قد صدر في 12 تموز 2007، إلا أن ما تضمّنه يصلح لوصف الوضع الذي استجدّ أخيراً. الفقرة 106 من التقرير نصّت على أنه «رغم التدابير التي اتخذت لخفض الأخطار التي تواجه اللجنة وموظفيها، كان للتدهور في البيئة الأمنية عدة آثار سلبية على قدرة اللجنة على الاضطلاع بولايتها. فأولاً، قد يؤثر ذلك على تقدم التحقيقات من حيث إنه يقيّد قدرة اللجنة على إجراء المقابلات وغيرها من أنشطة التحقيق بالحرية التي جرت عليها العادة في ما سبق. وثانياً، قد يؤدي انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي في الفترة الراهنة إلى تردد بعض الشهود في التعاون مع اللجنة. وأخيراً، قد يكون للشواغل الأمنية أثر في قدرة اللجنة في الشهور القادمة على اجتذاب الموظفين المؤهلين والاحتفاظ ﺑﻬم».
لكن اللجنة مستمرّة بعملها برئاسة القاضي الكندي دانيال بلمار الذي لم يغفل في تقريره الاوّل ذكر «التحديات» الناتجة من «المناخ السياسي والأمني العام» (التقرير العاشر ـــــ الفقرة 54). بلمار كان قد عبّر عن حاجته إلى تمديد ولاية لجنة التحقيق إلى ما بعد حزيران المقبل لجمع الأدلة الجنائية الكافية لانطلاق البحث مع قاضي ما قبل المحاكمة الدولي في مضمون القرار الاتهامي وصيغته.