صيدا ــ خالد الغربي«أما وقد حدث ما حدث، فعلى المعنيين في الطائفة السنّية أن يقوموا بقراءة نقدية لما جرى وليس البكاء على الأطلال وممارسة الشحن المذهبي». هكذا يدعو إمام أحد المساجد في مدينة صيدا ممن يؤثرون الصمت الآن، ولا يكتم أمام نخبة من زواره قوله إن المشهد شبيه بما جرى سابقاً لمشروع المارونية السياسية التي قاد غلاتها المسيحيين إلى مشروع انتحاري جعلهم مهجّرين في بلاد الله الواسعة، لكن العديد من القوى السياسية والاجتماعية لدى الموارنة قام بنقد تلك المرحلة وأعاد ترتيب الأولويات على قاعدة أن أمن المجتمع المسيحي مرتبط حتماً بأمن المجتمع اللبناني ككل، فكان التيار الوطني الحر وزعيمه ميشال عون نتاج هذه المراجعة التي أنتجت موقفاً مارونياً عاقلاً ومن نوع آخر.
«السنّية السياسية وحتى الروحية تبنّت مشروعاً لا يرى عاقل إنه قابل للحياة»، يقول رجل الدين السنّي الذي يخلص إلى ضرورة التبصّر بما جرى، مؤكداً أن «السنّة ليسوا طائفة بل أمة».
أمام منزل رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد يقف «أخوان من «أمن الرئيس» لا يتجاوز أحدهما الثامنة عشرة، وأخذ الفتى المنهك من نوبة حراسة يتحدث قائلاً إن الأمور لم تستتب بعد «وهي مفتوحة على كل الاحتمالات»، مردداً ما قاله الريّس (أي زعيم تنظيمه) عن الفرق بين سلاح الفتنة والسلاح المقاوم، بعد أن يومئ بإصبعه إلى عدد من قطع الكلاشنيكوف في خزنة خشبية خُطّت عليها شعارات ثورية، «هذا سلاحنا نستخدمه للدفاع عن النفس والمقاومة»، لكن الفتى يبدو مغترّاً بحرارة الاجتماعات التي تعقد في منزل النائب سعد، مستغلاً لحظة دخول أحد الوفود النقابية للقول «وجوه من زمان مش شايفينا». بات المنزل يستقطب حركة مشاورات واجتماعات لا تنتهي إلا في وقت متأخّر من الليل. ويقول الفتى: «قرار المدينة بهيدا البيت».
المستقبليون في صيدا عادوا أخيراً لالتقاط الأنفاس، وباشرت قيادتهم نشاطاً في اتجاه المراجع الروحية والسياسية المحلية. بعض قواعدهم ينذر بأن ما حصل ليس إلا البداية، و«يضحك كثيراً من يضحك أخيراً» على ما يقول أحد تجار المدينة المستقبليين، لكنه يستدرك «بدنا نعيش، السوق قبل بيومين كان ميّت وما حدا أجا من القرى المجاورة».
وفي حمأة الهجوم الذي يسخّر منابر المساجد ضد حزب الله و«الويل والثبور وعظائم الأمور التي تنتظر من استباحوا الطائفة السنّية» وفقاً لخطب بعض أئمة الجمعة، فإن الهجوم الأعنف لدى عدد من العلماء والمشايخ السنّة في المدينة ينصبّ ضد الفتنة ويؤيّد المقاومة، وهو موقف يشهد له كثر بأنه ساعد في حماية المدينة من الجموح. وكانت رسائل إلكترونية قد وصلت عبر الهواتف الخلوية إلى بعض الصيداويين تدعوهم إلى مقاطعة مساجد يعدّ أئمتها خارج السرب المؤجّج للصراع المذهبي.