أسبوع مرّ على اتفاق الدوحة ولا يزال الشعب اللبناني سعيداً. الابتسامات تعلو الوجوه واللبنانيون مستعدون لتقبّل كلّ تفاصيل الحياة السيئة التي قد يتعرّضون لها. حادث سير أو عارض صحي... لا مشكلة. لقد اتفق الزعماء وصار عندنا رئيس. هنا جولة في المدينة السعيدة
مهى زراقط

تفتح سناء باب المصعد فتطلّ عليها أربعة وجوه مبتسمة. تنتقل العدوى إليها وتبتسم بدورها فتتلقى أربعة «مبروك» دفعة واحدة. «أكيد سمعت أخبار، الزعماء اتفقوا». طوابق أربعة قبل أن يصل المصعد إلى الطابق المنشود، ينضم إليهم شابان، مبتسمَين أيضاً.
يحلو لسناء، التي تسرد تفاصيل نهارها كاملة أن تصف ابتسامات اللبنانيين العريضة بـ«الابتهاج». في المصعد أربعة مبتهجين، في السرفيس ثلاثة مبتهجين. في العمل البهجة تغمر الجميع بمن فيهم مناصرو 8 و14 آذار.
لكن لماذا اختارت هذا الوصف؟
تقول سناء إنها قبل خمسة أعوام سألت طبيبها عن دواء يهدّئ أعصابها لشعورها بعدم القدرة على احتمال الضغط اليومي الذي تتعرّض له. قالت له إنها باتت تفتعل الكثير من المشاكل، وغالباً من دون سبب حقيقي. اقترح عليها الطبيب آنذاك دواءً كان يتناوله، من مواصفاته أنه قادر على «تخفيف تفاعل من يتناول الدواء مع المحيط ومساعدته على امتصاص الحدث».
عملت سناء بالنصيحة وراحت تتناول الدواء الذي جعلها يوماً بعد يوم أكثر هدوءاً وغير مباليّة بكلّ ما يدور حولها، حتى لو كان مشكلة كبيرة. هذا الدواء الذي غيّر شخصية سناء من باحثة عن مشاكل إلى ساخرة مما كان يثير أعصابها، جعلها وصديقاتها يسمين الدواء «ابتهاج». كانت سعيدة معظم الوقت وحفظت في شهور ثلاثة كلّ ما يتداوله المحيطون بها من نكات.
منذ أسبوع تحديداً، تتذكر سناء هذا الدواء وهي تراقب اللبنانيين: «أشعر بأنهم تناولوا جميعاً دواء الابتهاج» تقول ضاحكة. حالة السعادة التي «يتخبط» فيها اللبنانيون منذ أيام أصابتها أيضاً وأشعرتها بذلك الخدر الذي كانت تفعله حبة الدواء فيها... لكنّ الفارق أن اللبنانيين متفاعلون مع الحدث إلى حدّ عدم القدرة على الابتعاد عنه قليلاً لمناقشته.
كثيرون مثلاًً لا يعرفون إجابة عن السؤال: كيف انتقل لبنان فجأةً من فم التنين ونجا من براثن الحرب الأهلية ليبدأ بناء «جنة» يندر أن يكون فيها إنسان عابس، إذا لم نبالغ ونَقُل غير مبتسم؟
يكتفي أحدهم بالقول إنه «بلد غريب». إجابة تكفيه كما قد يكفيه القول إن «اللبناني يحسن التعامل مع كلّ الظروف، نحن شعب يحب الحياة». شاب آخر كان يبحث عن «زر» عليه صورة العماد ميشال سليمان ليعلّقه على صدره يقول حاسماً: «إنها قطر».

«الدي تي» يستعيد روّادهاتسعت ابتسامات عشرات المواطنين الذين كانوا في المكان تلك الليلة. منهم من راح يصوّر الشبان واحتفالياتهم، وآخرون انضموا إلى الحلقة وراحوا يغنون «راجع راجع يتعمّر راجع لبنان». السيدات اللواتي عدن إلى ارتداء ثياب السهرة والنزول فيها إلى مقاهي الـ«دي تي» بَدَون منزعجات من عدم وجود كرسيّ فارغ في أيّ من المطاعم أو المقاهي التي فتحت أبوابها على عجل. «مش مهم» تقول سيدة لزوجها وهي تدفعه للدخول إلى أحد محالّ الإكسسوار «المهم أننا عدنا وأن الوسط يغصّ بالناس».
حتى العاملة الفيليبينية في محل الإكسسوار كانت تضحك وهي تجيب عن أسئلة العشرات الذين غصّ بهم المحل: «فورتي فايف» (45)، «تونتي فايف» (25)... لا تبيع شيئاً لكنها لم تبدُ منزعجة، يكفيها بدورها أن أهل الوسط عادوا إليه.
هذه هي أيضاً حالة رجل فرنسي الجنسية، مصاب بحب لبنان. لا يهمه أن يعرف الكثير «المهم أنهم اتفقوا وأنني لن أكون مجبراً على مغادرة بيروت». وتأكيداً على سعادته سيشارك اللبنانيين احتفالاتهم «سأحضر الحفلة التي ستغني فيها هيفا في وسط البلد». مثله مثل اللبنانيين، قبل الاتفاق بأيام كان يشتم الزعماء الذين «يعتقدون وطنهم خشبة مسرح ويجرّبون أدوار البطولة على حساب أبنائه».
ماذا تغيّر وهل صار الزعماء فجأةً يبحثون عن المصلحة العامة؟
سؤال من دون إجابة أيضاً. يكفي صاحب أحد محالّ وسط المدينة أن الحركة عادت إلى السوق. كان سعيداً إلى حدّ أنه أجرى حسومات على أسعار البضاعة الجديدة «هنا صارت البضاعة أرخص من أي مكان آخر في بيروت. أنا مثلاً أبيع الآن بسعر أقلّ من بضاعتي الموجودة في الفرع الثاني في مار الياس».

وكيلو الأرزّ؟يشرح أحد التجار: «منذ سنتين لم أدفع في محلي إلا ما أنا مجبر على دفعه. لم أخاطر وأستثمر. اليوم أنا مستعد لأضع كل رأسمالي استعداداً لصيف سيزورنا فيه 4 ملايين سائح». يكرر رقم الـ4 ملايين كما لو أنه صار حقيقة واقعة، والدليل: «الضغط على المطار، كلّ أصدقائي الذين يرغبون بالعودة إلى لبنان لم يجدوا حجزاً إلى بيروت مباشرة، منهم من سيأتي عبر سوريا».
تاجر آخر كان يحاول عبثاً إقناع زبونته بجمال الثوب الذي تجرّبه. حالة السعادة المستمرة لا تمنع نشوب خلاف بينهما لأنه لم يعد يهتم بالبضاعة الموجودة في محله «كلها غير جيدة». يعترف لها «معك حق، لا تشتري اليوم. أسبوع وتكون كل التشكيلة تغيّرت. الآن يمكن المغامرة» يقول وهو يشير إلى صورة للعماد ميشال سليمان علّقها خلف مكتبه إلى جانب صورة للرئيس رفيق الحريري.
يمكنك أن تبتعد أكثر عن وسط المدينة وعن أحياء العاصمة وتطرق باب القرى: «مبسوطين... من الأول كان لازم يصير هيك». يقول سبعيني سعيد بوفاق اللبنانيين «لا أريد أن أموت وأنا قلق على مصير أولادي الذين نجحت في إنقاذهم من الموت في الحرب الأهلية السابقة».
لكن زوجته التي تدخل حاملة صينية الشاي غير راضية: «لم أفهم شيئاً ولا أعرف سبباً لهذا السعادة، هل انخفض سعر كيلو الأرزّ عن الـ3 آلاف؟».


من يحقق قَسَم الرئيس؟

أكثر من محطة توقّف عندها المواطنون قبل أن يحدّدوا موقفهم من الرجل المثير للجدل: الرئيس ميشال سليمان. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري مروراً بـ14 آذار وصولاً إلى انتفاضة المعارضة كانت أسهم الرجل تصعد أو تنزل لدى فريقَيْ 8 و14 آذار. جاء خطاب القسم ليمثّل المحطة الأخيرة التي تسمح للكثيرين بالحكم. خطاب متوازن مرضٍ لجميع الأطراف، ذلك أنّ كلّ من سألناهم رأيهم توقفوا عند الشأن الذي يعنيهم من خطابه.
رانية لم تفهم كثيراً صيغة الجملة التي تحدث فيها الرئيس عن المقاومة ورأت أنّها ضبابية «جاءت بصيغة الماضي، قال إن المقاومة كانت حاجة فهل يقصد أنها لم تعد كذلك؟». رغم ذلك هي، السعيدة كما اللبنانيين، لا تريد أن تتوقع السيء «ربما قصد أن يجعلها ضبابية وعندما تعقد طاولة الحوار يعلن موقفه الحقيقي».
علاء العشريني مسرور بنية الرئيس الجديد تجنيس المغتربين «هذا يخلق التوازن المطلوب بين المقيمين الذين يحبون دور لبنان في الصراع مع إسرائيل والمسافرين الذين سيبحثون عن مصالحهم الاقتصادية». هذه النية تحقق أيضاً توازناً طائفياً «كلّ المسيحيين الذين هاجروا سيستردون جنسيتهم وسينتخبون وعندها يستعيد لبنان تنوّعه بحق».
هذا هو رأي عبير أيضاً التي رأت أن الرئيس خاطبها بشكل شخصي حين تحدّث عن دور الشباب وتقديره لكفاءاتهم «لكن، من سيسمح له بالعمل على تحقيق ما قاله؟».
السؤال نفسه يطرحه أكثر من شخص، رغم أن الخطاب وُصف بالمتواضع بل إن الرئيس نفسه قال «لا نغرق في الوعود بل نقارب الواقع وميادينه المختلفة بإمكاناتنا». لكن علاء المتفائل بقيام لبنان من جديد يعلن استعداده لمساعدة الرئيس لكي ينجح «ولا شك في أن هناك أشخاصاً غير سيئين في لبنان يحلمون بقيام دولة حقيقية يجب أن ينضموا إلى الرئيس».