غسان سعودبدا ليلة انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً في الساحات المسيحيّة المحتفية بملء فراغ كرسي بعبدا، أن القوى السياسيّة المسيحيّة تزايد بعضها على بعض في إعلان تأييد الرئيس. وسرعان ما تبادل الناس والسياسيون عدوى الحب هذا، فاختفت التحفظات فجأة، على أنواعها، وبدا أن الصراع انتقل إلى مكان آخر، ليدور هذه المرّة حول من سيكون حزب الرئيس. ولعل خطاب الرئيس أمين الجميّل أول من أمس ووضعه الكتائب في تصرّف الرئيس كان الخطوة العلنيّة الأجرأ في هذا الاتجاه، فيما اجتهد نواب القوّات اللبنانيّة، ولا سيما أنطوان زهرا، ليؤكدوا أن كتلة القوات انتخبت الرئيس، مقابل تعزيز العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجيّة تنسيقهما، في ظل مواصلة النائب ميشال المر بذل الجهود ليضمن موقعاً في العهد الجديد، مؤكداً أنَّه كان طبَّاخ التسوية، وسيكون حتماً رجل العهد ويعوّض افتقار الرئيس إلى حزب.
في التفاصيل، يقول رئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني إن العلاقة كانت في معظم العهود، قبل الطائف على الأقل، متينة بين ساكن بعبدا من جهة وحزبَي الكتائب والطاشناق من جهة أخرى. الأول بسبب اقتناع المؤسس بيار الجميّل بأن ثمة 3 ثوابت لا تُمس، هي رئيس الجمهورية، الجيش والقضاء. والثاني لموقفه الثابت بالوقوف إلى جانب الدولة ممثّلة برئيسها. ورغم أن الرؤساء الذين تناوبوا منذ عهد بشارة الخوري كانوا في معظمهم يناقضون بعضهم بعضاً تقريباً في التوجهات السياسيّة، فإن الكتائب والطاشناق عرفا كيف يبقيان إلى جانبهم.
وأمام الاندفاعة المسيحيّة الحاليّة لاحتضان الرئيس والحصول على غطائه، يرجّح بقرادوني أن يكون التيار الوطني الحر هو الأقرب إلى مفهوم حزب الرئيس، بسبب التلاقي بين خيارات عون السياسيّة والوطنية والمؤسساتيّة، وخيارات سليمان، وخصوصاً أن الرجلين آتيان من مؤسسة تقوم فلسفتها على حماية الدولة من الطوائف والميليشيات. والرجلان، بحسب بقرادوني، تجمعهما أمور مشتركة كثيرة يجهلها كثيرون، مؤكداً توجههما صوب تكملة بعضهما بعضاً. قائد الجيش الأسبق بصفته زعيماً وقائد الجيش السابق بصفته رئيساً، مشيراً إلى أن لصفة الأول بعداً شعبياً يعرفه سليمان ويحترمه، ولصفة الثاني حيّزاً دستورياً وسياسياً يقدّره عون ويفترض أن يقف عند حدوده.
وبحكم قيادة الرجلين لمؤسسة كبيرة، يقدّر بقرادوني أن يحترما القواعد، فيقوم الزعيم بقول ما لا يستطيعه الرئيس. في وقت، يعرف الأخير أنه لا مصلحة له في أن يكون زعيماً بالمعنى التقليدي للكلمة الذي يدفع باتجاه مخاصمة فئات واسعة، وبالتالي إضعاف موقع الرئاسة. وما لا يقوله بقرادوني، يسرّ به أحد العارفين بشخصيّتي عون وسليمان، فيكشف أن تكامل الرجلين سيجعلهما أقرب إلى تطبيق النموذج الشيعي في الطائفة المسيحية، فيلعب عون دور نصر الله وسليمان دور بري.
ومن جهة الكتائب، يرجّح بعض المتابعين لحركة الحزب بقاء الحزب إلى جانب تيار المستقبل مع تمايزه قليلاً في العلاقة مع الرئيس. ويقول نائب رئيس الحزب، جوزف أبو خليل، إن الكتائب في خطاب رئيسها الأخير كانت تجاهر بثقافتها السياسيّة في ما يتعلق بهذا الموضوع، موضحاً أن لا شيء عملياً بعد و«الأمور متروكة على همّة الرئيس الذي يبدو أن لديه القابليّة»، مشيراً إلى أن قرب المر من سليمان لن يمنع قرب الكتائب منه أيضاً، فالطرفان «لا يتناقضان».
وعن موقع القوّات اللبنانيّة في هذه الاندفاعة صوب بعبدا، يقول بقرادوني إن جعجع قال منذ البداية إنه مع الرئيس بتحفّظ، مشيراً إلى أن الرئيس لن يقفل الباب في وجه أحد، لكنه طبعاً لن يهرول وراء أحد، علماً بأن أجواء القواتيين الذين أكثروا من الكلام السيّئ عن سليمان خلال المرحلة السابقة لا تبشّر بنيّة قوّاتية صادقة بالتحول إلى حزب للرئيس بمعنى إنشاء أوسع قاعدة سياسيّة وشعبيّة تحيط به وتسهّل له الحكم.
ويقول أحد المتابعين إن القوات تحاول اليوم اللعب بذكاء، إذ إن الظروف متضافرة لغير مصلحتها، معدداً أمثلة عديدة أبرزها أن فرح الناس بالبذلة العسكريّة يعدُّ في ذاته ضربة موجعة لقواتيين كثر.
على صعيد آخر، يقول أحد المراقبين إن السؤال عن حزب الرئيس لا يفترض أن ينحصر في الوسط المسيحي، لأن قاعدة الرئيس بل حزبه الأفعل سيكون مسلماً لا مسيحياً، وتحديداً عند الطائفة الشيعيّة، مشيراً إلى أن حزب الله وحركة أمل سيكونان حزب الرئيس قبل غيرهما، والقوة الشعبية والسياسية التي يعتمد عليها، مشدداً على تلاقي الخيارات أو تطابقها بين سليمان وحركة أمل وحزب الله، إن في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل والعلاقة مع سوريا أو بالنسبة للنظرة إلى التوازنات الداخليّة.