نيويورك ـ نزار عبوديبدو انتخاب لبنان كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين أمراً شبه مؤكد، وقد درجت العادة أن تحتل دولة عربية هذا المقعد، مرة كجزء من الحصة الأفريقية، وأخرى من الحصة الآسيوية. ليبيا العربية الأفريقية تحتل حالياً هذا المقعد. وقبلها احتلته قطر حتى نهاية العام الماضي. ويتم اختيار الدولة العربية غالباً بالتوافق عربياً ودولياً، وبالتناوب. وهذه المرة هي من نصيب لبنان، حسب تأكيد معظم ممثّلي الدول العربية في نيويورك. ومن المفترض أن يبدأ التحرك الدبلوماسي في هذا الاتجاه مع مطلع السنة المقبلة. وإذا لم تنبر دولة آسيوية لمنافسة لبنان على المقعد، كما جرى في المرة الماضية مع قطر، فإن الفوز سيكون للبنان بالتزكية.
يعتمد اختيار دولة ما في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي على توافق الكتل الدولية. وإذا أخذ في الاعتبار الإجماع اللبناني الداخلي الذي تجلّى في اتفاق الدوحة الأسبوع الماضي، فإن الحكومة اللبنانية التي ستُؤلّف هذا الأسبوع ستكون أقدر على التخاطب مع المجموعات الدولية الكبرى مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، وكتلة عدم الانحياز، ومجموعة الـ77 والكتلة الأوروبية. ولا يتوقع أن تتمكن الولايات المتحدة من اتخاذ موقف معرقل، نظراً إلى قلة عدد الدول التي تؤيّدها في الجمعية العمومية، والتي لا تتجاوز في أفضل الأحوال 15 دولة من أصل 192. وحتى الولايات المتحدة التي تحرص على أن يكون لها وزن لبنان، لا يتوقع أن تظهر مظهر المعرقل، وخاصة في ظل إدارة ديموقراطية جديدة. وعليه، فإن فرص فوز لبنان ستكون شبه مؤكدة، إلا إذا تبدّلت الأمور.
ويفترض أن يبدأ العمل منذ اللحظة الأولى لتأليف الحكومة الجديدة، هذا الأسبوع، لتلبية مقتضيات مسؤولية العضوية في مجلس الأمن. وسيكون ذلك مباشرة بعد اختيار حقيبة الخارجية التي درجت العادة أن تكون للمعارضة. وفي الوزارة الجديدة لا بد من أن تراجع التعيينات الدبلوماسية التي جرت في العام الماضي عندما كانت المعارضة ترى حكومة السنيورة فاقدة للشرعية، ولا سيما بالنسبة إلى تركيبة البعثة في نيويورك. هذه البعثة اتسمت بانعدام الفعالية في أفضل الأحوال، أو بالعمل الكيدي السري المنحاز في قضايا مصيرية في أسوأ الأحوال. مثال على ذلك تقديم البعثة تقارير غير مؤكدة تتطابق كلياً مع المزاعم الإسرائيلية في شأن الحدود وتهيئة الأجواء لاستصدار بيانات تحظى بدعم الولايات المتحدة وإسرائيل، العضو غير المرئي الدائم في المجلس. وفي أفضل الأحوال كانت تنقل الخروق الإسرائيلية بدرجة أكثر تفصيلاً من قوات اليونيفيل على قاعدة «شرّ هذا بخير ذاك». قبل تعيين المندوب نواف سلام في أواخر 2006، كانت بعثة لبنان تخضع شكلياً لإدارة القائمة بالأعمال كارولين زيادة. وفي حقيقة الأمر، كان العمل الفعلي يجري على يد شخصيات من بيروت شبه مقيمين في الولايات المتحدة، مثل أمل مدللي، مستشارة سعد الحريري، وأخرى زائرة مثل محمد شطح مستشار السنيورة، وطارق متري، وزير الثقافة، والخارجية بالوكالة. وكانت البعثة الفرنسية مرجعاً دبلوماسياً للبعثة اللبنانية في قضايا تحتاج إلى خبرة دولية شاملة، مثل المحكمة الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالوضع في الجنوب أولاً ومن بعدها لجان الحدود من الشمال الغربي إلى أقصى الجنوب الشرقي. وأحياناً تكتب البيانات الرئاسية والصحافية والقرارات أولاً في ضوء استشارة المحامين الفرنسيين.
واستمر هذا الوضع بشكل أو بآخر حتى بعد تعيين المندوب الحالي نواف سلام.
أما بعثة لبنان في الأمم المتحدة التي تتمتع بكادر كبير نسبياً، مقسّمة ثلاثة أقسام. القسم الفاعل المؤثر يعمل وفق تعليمات الموالاة ويكتم نشاطه عن البقية. وفي بعض الحالات يمتد التكتّم إلى الخارجية في بيروت، فلا ينسّق المواقف معها.
والقسم الثاني منقسم على ذاته، موفّقاً بين لقمة العيش وقناعاته المهنية والوطنية.
والقسم الثالث متعاطف مع المعارضة، لكنه لم يكن ليجرؤ على الإتيان بحركة، كما لم يسمح له بمعرفة ما يدور من حوله إلا بعد صدور القرارات رسمياً أسوة بأي قارئ، وبالتالي كان دوره معطّلاً، أو أنه كان يعلم بما يجري من الصحف.
مقر البعثة لم يستخدم لكل نشاطات لبنان الدبلوماسية، بل كانت البعثة تستخدمه فقط للأمور الروتينية غير السياسية، فيما تتم الأمور الحساسة في البعثات الأخرى، ولا سيما الفرنسية والأميركية، أو في الفنادق أو حتى الخارجية الأميركية.
لبنان في مجلس الأمن الدولي سيكون له صوت من 15 في قضايا هو معني بها مباشرة أو بصورة غير مباشرة. وهذه تمتد من غرب أفريقيا إلى أقاصي آسيا. وسيكون له مواقف من الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، والعراق وأفغانستان وحتى ناغورني كاراباخ، فضلاً عن محكمة لبنان الدولية والقرارات الدولية من 1559 إلى 1757. وعليه، يحتاج لبنان إلى وزارة خارجية على مستوى المهمة، ويحتاج إلى إعادة تأليف بعثته في نيويورك لكي تصبح أكثر توازناً وانسجاماً مع الوحدة الوطنية وتحدياتها.