نهر البارد ــ عبد الكافي الصمدبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على انتهاء المعارك التي شهدها مخيّم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم «فتح الإسلام»، ونحو خمسة أشهر على عودة نازحيه إليه تباعاً، لم تتغير الصورة المأسوية الصعبة التي تعيشها قرابة 1900 عائلة تقريباً في الجزء الجديد من المخيّم، في ظلّ استمرار انعدام الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة فيه، وعدم تحقيق الوعود بإعادة إعماره، وتراجع نسبة وكمية المساعدات الإغاثية المقدمة إليهم.
مشاهد الدّمار وآثار الحرائق ما زالت بادية للعيان، وخصوصاً في الجزء القديم من المخيّم الذي لا يزال الجيش يمنع الدخول إليه، كما أنّ مشاريع إنشاء البنى التحتية فيه، وإعادة إعماره تسير ببطء شديد، إضافةً إلى استمرار النقص الفادح في المياه، والتقنين القاسي في التيّار الكهربائي الذي يجري تأمينه عبر مولدات خاصة تابعة للأونروا، وتجمّع برك المياه والوحول في الطرقات المحفرة نتيجة أمطار اليومين الماضيين، التي ينعدم وجود الزفت عليها، ويتطاير الغبار في السماء مع عبور كلّ سيّارة أو شاحنة.
ومع أنّ الدخول إلى المخيّم لا يزال محظوراً لمن لا يملك تصريحاً خاصاً بذلك من الجيش، فإنّ مناسبة إدخال مساعدات للعائدين إلى المخيّم، مثّلت فرصة مؤاتية للدخول إليه مجدّداً، واستطلاع أحوال العائدين إليه.
المساعدات كانت عبارة عن 400 علبة كرتونية تحتوي ألبسة، مقدّمة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهي أحدثت أزمة بدل أن تحلّ مشكلة، إذ إنّ العائلات العائدة إلى المخيّم يزيد عددها أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الحصص المقدمة، ما أسهم في خلق تنازع بينها للحصول عليها، فيما فضّل آخرون عدم الحضور، لأنّها برأيّهم «مخصصة لجماعة «فتح» في المخيّم فقط»، لافتين إلى أنّ «مساعدات أكبر وأهم أتت في السابق إلى المخيّم، ولم تنل كلّ هذه الهمروجة الإعلامية، ولا هذا الاهتمام السياسي والرسمي»، وهو ما دفع أحد مسؤولي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» إلى التعليق لـ«الأخبار» قائلاً: «الجنازة حامية والميت كلب!».
الجيش اللبناني الذي كان يشرف على عملية الدخول، فرض نوعاً من الحظر على الأماكن المسموح التجوال فيها، أو تصويرها، لكنّ الفوضى التي عمّت المكان وقت توزيع المساعدات، ساعدت على الابتعاد عن أعين عناصر الجيش، والوصول إلى أطراف المخيّم، حيث بُنيت مساكن الإيواء المؤقت التي تؤوي أكثر من 370 عائلة،
مساكن الإيواء المؤقت مكوّنة من طابقين، موزّعة أفقياً، وتتوسطها ممرات مسقوفة ومكشوفة يراوح عرضها بين متر ونصف متر وثلاثة أمتار، وهي مساكن عبارة عن غرفة مع حمام ومطبخ لكلّ عائلة يقلّ عددها عن 5 أفراد، أمّا العائلة التي يزيد عددها على ذلك، فتحصل على غرفتين، مساحة كلّ منهما لا تزيد على 30 متراً مربعاً.
هذا الوضع المزري دفع مسؤول المساكن المؤقتة عثمان بدر إلى التهديد بـ«الاعتصام أمام مكتب الأونروا في المخيّم واحتلاله، إن لم تعالج المشاكل التي نراجع بها دون نتيجة»، أمّا عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» ومسؤولها في الشّمال أركان بدر، فدعا المدير العام لـ«الأونروا» في لبنان إلى «تأليف لجنة تحقيق هدفها وضع حدّ للسمسرة والاختلاس وهدر أموال نازحي مخيّم نهر البارد، ومحاسبة المتورّطين في قسم الهندسة والإنشاءات، وفريق الطوارئ المعنيّ بالإسكان المؤقت في المخيم».