strong>فاتن الحاج
لازم أمس مليون طالب وتلميذ منازلهم تلبية لدعوة هيئة التنسيق النقابية إلى تنفيذ الإضراب التحذيري ليوم واحد احتجاجاً على تدهور القدرة الشرائية نتيجة غلاء المعيشة، وسعياً وراء تصحيح الرواتب والأجور وعدم الاكتفاء برفع الحد الأدنى
خرق أمس الإضراب النقابي لهيئة تنسيق روابط الأساتذة والمعلمين والموظفين في القطاع العام ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة الواقع الانقسامي فأسقط تهمة التسييس، مقدّماً مشهداً حقيقياً لإجماع الجسم التربوي بتلاوينه المختلفة على الأمن الاجتماعي. فالتزام المؤسسات التربوية والإدارات العامة من النهر الكبير حتى الناقورة التحرّك التحذيري ليوم واحد، يعكس صرخة الجمهور المُضرب الموحّدة باتجاه القوى المتصارعة لإعادة إنتاج خطاب سياسي هادف، يؤدي إلى خلق مناخ يُنقذ البلد من الانهيارات الاقتصادية بعد النسب التي طالها الارتفاع الجنوني للأسعار، وبلوغ التضخم المتراكم منذ عام 1996 حدوداً قصوى لم يسبق أن وصل إليها.
كما أنّ الأساتذة والمعلمين والموظفين أعلنوا رفضهم للّعب على المصطلحات، فالمطلوب تصحيح الرواتب والأجور حفاظاً على قيمتها الشرائية ومراعاةً للشطور، وعدم الاكتفاء برفع الحد الأدنى، ثم أنّ الحديث عن العلاوة من خارج الراتب غير مقبولة بالمطلق والتدرّج حق مكتسب.
وفيما أكد المُضربون استعدادهم للحوار مع المسؤولين لإقرار المطالب بأسرع وقت ممكن من جهة، وتلويحهم باتخاذ خطوات تصعيدية في حال عدم التجاوب من جهة ثانية، نقلت أوساط قوى الرابع عشر من آذار التربوية عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي التقته أول من أمس تأكيده على سحب كل الطروحات السابقة من التداول، والتزامه تقديم عطاءات معقولة على كامل الراتب، ورفع الحد الأدنى إلى 500 ألف ليرة لبنانية.
وكانت هيئة التنسيق النقابية قد عقدت أمس اجتماعاً في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، قوّمت فيه نتائج تحركها الهادف إلى تصحيح الرواتب والأجور، ولا سيما خطوتها الأخيرة في تنفيذ الإضراب التحذيري الشامل في القطاع التربوي الرسمي والخاص.
وانضم إلى المجتمعين وفد من اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية للنقل البري، واتحاد نقابات عمال البناء والأخشاب والأغذية، جاء ليؤكد تضامنه مع تحرّك الأساتذة، كما قال رئيس الاتحاد الأول عبد الأمير نجده.
ورأى نجده أنّ هذا اللقاء الواسع من قطاعات المعلمين كافة فاتحة خير تساعد على توحيد الحركة النقابية، مؤكداً «أنّنا مطالبون بلملمة الوضع والاجتماع في كل الخطوات المطلبية، بما في ذلك 7 أيار».
من جهته، شدد رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب على أهمية التحرك واستقلاليته، الذي كسر الحلقة المفرغة والحصار المتمثل بارتفاع الأسعار دون رقيب أو حسيب، والإجراءات الضريبية والتكاليف العالية للتعليم والصحة والاتصالات، ولا سيما أنّ 25% من الأسر تحت خط الفقر، و40% من المتخرجين لا يعثرون على فرصة عمل. وفيما أقرَّ غريب بتبني الحوار مع المسؤولين بعد الإضراب، تحدث عن آلية تقتضي الخروج من الحوار موحّدين كما دخلنا إلى التحرك موحّدين، متسائلاً عن تعطيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي في هذا المجال.
وقال: «نحن لا ننتظر صدقة بقيمة 100 ألف ليرة لبنانية، لأنّ ما نطالب به أن نعيش بكرامتنا، نحن الذين نمثّل ثلثي الشعب اللبناني الذي يعيش على الأجور». وأوضح غريب أنّ المعلمين لا يتحركون ضد الأهالي، فغلاء المعيشة يطاولهم أيضاً.
ولفت إلى أنّ القوة الشرائية شيء والتضخم شيء آخر، مشيراً إلى أنّ هناك أربع قراءات لنسبة التضخم: (الاتحاد العمالي العام: 63%، مؤسسة البحوث 58%، إدارة الإحصاء المركزي 25%، وغرفة التجارة والصناعة 19%). وهنا طالب غريب بجمعها وقسمتها على أربعة.
وكانت هيئة التنسيق قد عاهدت في بيان أصدرته إثر الاجتماع، جمهور الأساتذة والمعلمين في التعليم الرسمي والخاص والموظفين في الإدارات العامة أنها لن تألو جهداً دفاعاً عن استقلالية قرارها النقابي ووحدة حركتها النقابية، التي تجلّت بأبهى صورها في الثالث من نيسان. وطالبت الهيئة بتحقيق الوحدة على المستوى الوطني العام، بما يلبي تطلعات الشعب على اختلاف انتماءاته واتجاهاته.
وتعقد الهيئة اجتماعها المقبل، السادسة من مساء الأربعاء المقبل، في مقر نقابة المعلمين في المدارس الخاصة.
وأجمع الأساتذة من القطاعات التربوية كافة على نجاح التحرّك، فعضو الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور نزيه خياط (تيار المستقبل) رأى أنّ الإضراب تعبير عن رفض كامل وجامع للحالة التي وصلنا إليها بفعل الصراعات بين القوى السياسية، لافتاً إلى أنّ معالجة القضايا الوطنية هي جوهر ومضمون ما يصيب فئات ذوي الدخل المحدود التي لا تميز بين 8 و14 آذار. وأكد أنّ الجميع مسؤولون عن انهيار القوى الشرائية.
وقال: «التحرك هو الرد الحقيقي الذي يجب أن يعيد إنتاج خطاب سياسي هادف، وإلّا فسنذهب جميعاً في مركب واحد إلى الانهيارات الحقيقية».
من جهته، أوضح عضو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي النقابي فؤاد عبد الساتر أنّ تصحيح الرواتب والأجور حظي باهتمام الرابطة منذ البداية، فلم تخلُ بياناتها المتلاحقة من المطالبة السريعة بمعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فيما «لم ننفرد بأي دعوة إلى أي تحرّك بمعزل عن مكوّنات هيئة التنسيق، من هنا، كان الإضراب شمولياً للقطاع التربوي وجمع كل التلاوين السياسية داخل الهيئات وعلى الأرض».
وتمنى عبد الساتر أن تنسحب الوحدة التي تجلّت في صفوف الأساتذة إلى المسؤولين السياسيين إنقاذاً للوطن وتفادياً للمخاطر الجمّة التي باتت تهدد الاقتصاد والبنيان والكيان، موكداً استمرارية التحرّك حتى النهاية.
أمّا عضو نقابة المعلمين جمال الحسامي، فأكد الحرص على الحوار، وتوقف عند وحدة العمل النقابي التي وازت حجم الإضراب، متمنياً أن تنتقل العدوى إلى السياسيين. واعتبر أنّ الزيادة المقترحة تمثل 66% وهي مقبولة نسبياً، «وإن كانت لا ترضي تطلعاتنا»، داعياً إلى أهمية إدراك دقة المرحلة وإيجاد قواسم مشتركة لحل الأزمة السياسية.
وأعلن رئيس رابطة المعلمين الرسميين في الجبل كامل شيا (الحزب التقدمي الاشتراكي) أن التضامن مع الأداة النقابية كان 100%، لكونها معركة الرغيف وصمود المواطن وبقائه. وتحدث عن «مذكرة قدمها وفد قوى 14 آذار التربوية إلى الرئيس السنيورة الذي اجتمع به لمدة ساعة و32 دقيقة، وسيكون هناك خبر سار يقضي بالموافقة على إعطاء زيادة على الراتب.
ورأت رئيس رابطة المعلمين الرسميين في بيروت عايدة الخطيب أنّ الإضراب وحّد كل الألوان والأرقام، إذ جمعت الحاجة والفقر والجوع كل الناس. وشددت الخطيب، في ما يخص التعليم الأساسي، على ردم الهوة في الراتب مع التعليم الثانوي وتصحيح القانون 442. أما نائب رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني جورج قالوش، فدعا إلى أن يندرج التعليم في خطة النمو الاقتصادي، وبالتالي فأي زيادة تلحظ القطاع التربوي تلقائياً.
من جهتها، عقدت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اجتماعاً تقويمياً أثنت فيه على وحدة الموقف التربوي الرسمي والخاص، لافتة إلى أنّ أي زيادة أو تعديل للرواتب مع استمرار التناحر السياسي سيؤدي حتماً إلى منزلقات اجتماعية واقتصادية. وجددت الهيئة التركيز ورابطة متخرجي ومتدربي معهد الوطني للإدارة والإنماء على فروق سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام التي صدرت بموجب القانون 717/98.