غسان سعودبخفّة يتحرك وزير الثقافة طارق متري الذي يصف نفسه بـ«وزير الصدفة» في قاعة الديوانية، ململماً 4 كراسي ليجلس و3 صحافيين جدد حول طاولة صغيرة. يبدي أوّلاً بضع ملاحظات على «أكاذيب تواظب صحيفة «الأخبار» على إطلاقها» بحقّه. يوضح أن هذا لا يمنعه من الحفاظ على صداقات قديمة مع صحافيين في «الأخبار»، وحماسته للتعرف على الصحافيين الجدد ومدّهم بالمعلومات التي يعرفها، «خصوصاً أننا لا نعرف الكثير، والبعض يضخّم إمكاناتنا».
ومن «الأخبار»، ينتقل معاليه إلى هموم الناس، فهناك من تتحسن حياته حين يصبح وزيراً، وهناك من تسوء حياته نتيجة التوزير. وعلى اعتباره من الفئة الثانية، يبدي تفهمه لحالة غالبيّة الشعب الاقتصاديّة. ورغم أن الأمر ليس من اختصاصه، يقول متري أن ثمة ضرورتين على هذا الصعيد. الأولى، الاستعجال في اتخاذ قرارات جريئة ومنصفة. والثانية، تحقيق القانونيّة السياسيّة لأي قرار. مبدياً موافقته المبدئية على اقتراح إعطاء سلفة في انتظار صدور القرار. ويتوقف عند «مشكلة الوزير طراد حمادة» الذي يصر على محاورة «صغار الكسبة» بنفسه، رغم رفضه حضور مجلس الوزراء.
يمر الوقت بسرعة، يستعيد متري بريقاً شابّاً في كلامه عن «الرأسماليّة الجشعة»، عن «أن لبنان ليس أي مكان، والزمن ليس أي زمان». ويقبض على كلماته بعد وصفه المعارضة بالفريق الآخر، مؤكداً عدم تقبّله لهذه اللغة. ويهز رأسه موافقاً على قول أحد الزملاء إن مسؤولين في الأكثريّة النيابيّة بدأوا يسحبون أيديهم من الحكومة لتبرئة أنفسهم من الأزمة الاقتصاديّة. ورداً على سؤال بشأن الكلام عن زيادة عديد القوى الأمنيّة والجيش، يستند متري إلى ما سمعه من بعض مرافقيه في مطالبته بتثبيت المتعاقدين مع قوى الأمن الداخلي.
ينتقل الحوار إلى نقطة أخرى. يوضح متري أصل لقب «وزير الصدفة»: كنت في جنيف. لا أعرف الرئيس إميل لحود، حين اتصل الأخير بالوزير إلياس المر وطلب منه سؤال المرجعيات الروحيّة الأرثوذكسيّة عن الأسماء التي يمكن ترشيحها لتولّي المسؤولية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فقدمت المرجعيّة المعنيّة لائحة أسماء اختارني منها ميقاتي لمعرفته الوثيقة بي. ومعرفة مماثلة بالرئيس فؤاد السنيورة (عمرها 35 عاماً، بدأت في النادي الثقافي العربي) رجّحت اسمي في أولى وزاراته أيضاً.ويستغرب متري كيف يصدِّق البعض كذبة علاقته بلحود، وأن الأخير قد أتى به إلى الوزارة. ويضيف أن الرئيس السابق لم يطلب منه أي شيء خلال 3 سنوات. وأول ما التقيا في اجتماع مجلس الوزراء الأول لحكومة ميقاتي. أما الاستقالة، فكانت وما زالت غير واردة ما لم تطلبها مرجعيته الروحيّة «التي ألتزم توجيهاتها رغم علمانيّتي».
ومن وجوده في الوزارة إلى دوره الوزاري، يقول متري إنه ومعظم زملائه لا يصدقون أن الأزمة طالت كل هذا الوقت. فبداية قيل لهم إن انتهاء ولاية لحود هي الموعد لاستعادتهم جزءاً من حياتهم الطبيعية، لكن الأزمة طالت وباتت شبه مفتوحة، ولم يعد ممكناً الأمل «بانتخاب رئيس ومتابعة حياتنا كما كنّا نأمل».
أما عن سياسة لبنان الخارجية، فيقول متري إنه كان يحل محل الوزير فوزي صلوخ حين يسافر الأخير. والمرة الأولى لتسلّمه مهمّة خارجيّة رسميّة كانت أثناء حرب تموز، مشيراً إلى أن «الناس الذين لا يعرفونني لكوني شبه نكرة، فرحوا بما يصفونه تصديَّ لإسرائيل، التي كنت وما زلت وسأبقى أراها عدواً. وقد استقبلوني بعد عودتي في صور كمناضل، كما أشاد مسؤولو حزب الله بأدائي الدبلوماسي. لكن، وبعد استقالة الوزراء من الحكومة، كنت أصرّف أعمال وزارة الخارجيّة حين بدأ التذمر».
من جهة أخرى، يقول الوزير العكاري الوحيد في حكومة السنيورة إن سياسة لبنان الخارجية تقوم اليوم على أساس وحيد هو الاعتراف باستقلال لبنان. وكل الجهد الخارجي ينصبّ على إقناع الحكومات والرأي العام الدولي بأن لبنان دولة مستقلّة عن سوريا، لديها حدودها ودستورها، ولا يجوز السماح بتعليق العمل بالدولة حتى انتهاء الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، مبدياً تمسّكه بكل ما كتبه عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعدم تغييره رأيه في هذا الموضوع، وملاحظاً أن الأميركيين يواجهون، وفي الوقت نفسه يفاوضون الإيرانيين، وخصومتهم مع السوريين لا تتعدى خصومة الكلام دون معطيات جدّية عن حوار بين الطرفين.
هذا الوزير، الغامض بهدوئه واختيار الكلمات، يكشف في أقلِّ من ساعة مدى إتقانه لفنون الدبلوماسيّة، وينجح في التفلّت من بعض الأسئلة، ولا يتردد في القول إنه لا يملك معطيات عن بعض الأمور. متري الذي يقول إنه «من وزن الريشة قياساً بالأوزان الثقيلة في الحكومة»، يرى أن ترميم الحكومة مستبعد، لأن السنيورة والوزراء حرصوا منذ انتهاء العهد الممدّد للحود على القول إنهم لا يريدون ممارسة صلاحيات رئيس الجمهوريّة، ولن يعطوا اليوم الانطباع عن أن الحكومة مستقرّة. إضافة إلى الالتزام الأدبي بما يريده البطريرك الماروني. وينهي متري، الذي يوصل الصحافيين إلى المصعد الكهربائي في سراياه، بطلب فَهْم استقلاليّته وشعوره بالظلم حين يعامل كأحد السياسيين، مع وعد بأن تتكرر اللقاءات، في الأشهر الأربعة المقبلة، قبل ترتيبه أموره مع ذاكرته في كتاب خاص بالقرار 1701.