غسان سعوديستعيد فلسطينيّو لبنان شيئاً فشيئاً دورهم اللبناني. هنا كلام عن توطين آتٍ لا محالة على يد حكومة السنيورة، وهنا تذمر أكثريّ من استغلال فزّاعة التوطين لأهداف سياسيّة. وبين هذا وذاك استعادة للمواد نفسها في صناعة بطولة اللبنانيين: تدمير منازل الفلسطينيين، تهجيرهم، ومصادرة حقوقهم. هكذا، بات كل من طرفَي الصراع يزايد على الآخر في التنكيل بوجودنا في لبنان، ويكسب النقاط من خلال حشرنا في الزاوية، يقول أحد الفلسطينيين بنبرة يغلب عليها طابع اليأس من معظم الطبقة السياسيّة الفلسطينيّة «التي تندفع باتجاه جلد الذات إرضاءً لمصالح مرجعياتها».
فمنذ ثلاث سنوات، تتراكم السهام الموجهة إلى الفلسطينيين. تارة تثار قضيّة السلاح الفلسطيني وطوراً ترتفع أسهم التوطين. وفي سياقٍ موازٍ، يدمر مخيم نهر البارد ويشرد أهله وتعرقل عودتهم. وتحاصر المخيمات الأخرى، ويزداد التضييق على الفلسطينيين. ولا يحرك الفلسطينيون ساكناً في ظل غياب مرجعيّة سياسيّة فاعلة قادرة على حماية الحقوق القليلة، ووسط استراتيجيا حكوميّة لبنانيّة تقضي بحصر التعامل الرسمي مع منظمة التحرير رغم عدم اعتراف فصائل عدة أخرى بتمثيل المنظمة لهم، ومطالبتهم المستمرة بلجنة موحدة تصرّ المنظمة على رفضها. وعن هذا الأمر، يؤكد المسؤول الإعلامي في «حماس» في لبنان رأفت مرّة أن المنظمة تصرّ على الهيمنة والتفرد بالقرار رغم تغيّر الأحجام الفلسطينيّة في لبنان، واستحالة الاستمرار في التصرف كأننا ما زلنا كما كنا قبل ثلث قرن. التشتت في القوى التنظيمية، تقول إحدى المرجعيّات الفلسطينيّة، يزيد من عزلة الفلسطينيين واستغلالهم في الأزقّة السياسيّة اللبنانيّة. وقد وضعت معركة البارد وما تلاها الفلسطينيين أمام ثلاثة أخطار جديّة، سيتبنّى اللبنانيّون أحدها، بحسب مرّة، وهي: 1- التوطين، 2- التهجير (أو التشتت في المناطق)، و3- الترحيل، قائلاً إن الأطراف المحليّين والإقليميين والدوليين اعتادوا استخدام الورقة الفلسطينية كلما تأزمّت الأوضاع. وبحسرة، يردد مرّة أن تدمير أي مخيم بات مكسباً كبيراً لهؤلاء الأطراف، تماماً كما ينظر بإيجابيّة إلى أي شكل من أشكال انتزاع الحقوق المدنيّة للفلسطينيين. وعلى هذا الصعيد، تشكل إعادة إعمار مخيم نهر البارد نموذجاً، بحسب المتابعين، للعلاقة بين الحضور السياسي الفلسطيني وتحصيل الحقوق. فحتى اليوم، لم تلزّم إعادة الإعمار إلى جهة، وبات أكيداً أن الإعمار لن يبدأ أول الصيف، وكل الأعمال التي تجري على الأرض غير جديّة. ولا أحد في السلطة اللبنانية والفلسطينيّة يبالي عمليّاً بالثلاثين ألفاً الذين ما زالوا منذ 10 أشهر مشردين دون الحدِّ الأدنى من الطعام والمال والمساكن. والمسؤولية في ذلك، وفق حماس، تتحملها الحكومة اللبنانيّة التي تطارد مصالحها، وتسعى وراء من يحقق لها برنامجها دون أخذ المصلحة الفلسطينيّة في الاعتبار. وتنهي حماس كلامها بدعوة الطرفين إلى تفاهم «فوق الطاولة» حول كل القضايا في معالجة جذرية، وفق الأصول، لكل الهموم والهواجس.