strong>حدّدت لجنة تحقيق دولية في تقريرها الأوّل مشتبهاً فيه باغتيال الرئيس رفيق الحريري هو زهير الصدّيق، ومنذ انطلاق التحقيق، سافر الصديق إلى المملكة العربية السعودية، ثمّ غادرها إلى فرنسا، وعُلم أخيراً أنه غادر فرنسا إلى جهة مجهولةذكرت مصادر فرنسية لـ«الأخبار» أن المدعى عليه بالضلوع في التحضير لاغتيال الرئيس رفيق الحريري «الرائد في الجيش العربي السوري زهير محمد سعيد الصديق» (كما ذكر حرفياً في مذكرة التوقيف الصادرة عن المحقق العدلي الياس عيد)، غادر الأراضي الفرنسية قبل أسبوعين تقريباً (عدد «الأخبار» الصادر يوم السبت الفائت، 5 نيسان 2008). وذكرت المصادر أن الصديق توجه إلى دولة خليجية، مُرجّحة أن تكون الإمارات العربية المتحدة، «التي سبق له أن زارها مرات عدة»، إضافةً إلى مغادرته الأراضي الفرنسية أكثر من مرة قاصداً بريطانيا وإسبانيا.
وقد جرى تداول معلومات مفادها أن ضابطاً لبنانياً رفيعاً اشترك في عملية نقل الصديق من فرنسا إلى السعودية، بعدما تعذّر نقله إلى الإمارات العربية المتحدة. وأفادت هذه المعلومات أن السلطات الفرنسية هي التي طلبت خروج الصديق من أراضيها مع اقتراب موعد إعادة التدقيق القضائي بصدقية إفاداته، وخاصة في ما يتعلّق بأشخاص مسجونين على أساس هذه الإفادات.
في المقابل، نفى مصدر أمني رفيع في اتصال هاتفي بـ«الاأخبار» ما يحكى عن انتقال الصديق إلى السعودية أو الإمارات، مؤكداً أن هاتين الدولتين لا تدخلان في أمر مماثل. ولم ينفِ المصدر أن يكون النظام السوري قد شارك في إخفاء الصديق لأنه الشاهد الأبرز ضده.
المرة الأولى التي نُشِر فيها اسم الصديق رسمياً كانت في التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية الصادر يوم 20 تشرين الأول 2005، عندما كانت اللجنة برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس. فقد أوردت الفقرة 104 من التقرير المذكور أن زهير بن محمد سعيد الصديق زوّد اللجنة، بصفته شاهداً، «معلومات مفصلة عن الجريمة». وأضافت الفقرة ذاتها إن الصديق «صار في ما بعد مشتبهاً فيه». وفصّلت الفقرة 112 سبب هذا التحول بالقول إن الصديق «اعترف في وثيقة خطية بأنه شارك في مرحلة التخطيط المباشر التي سبقت الاغتيال (كانون الثاني وشباط 2005)، وبأنه عمل سائقاً لأشخاص عديدين من المشتبه فيهم المذكورين أعلاه، طوال يوم 14 شباط»، محدّدة تاريخ «الاعتراف» بيوم 27 أيلول 2005.
المحقق العدلي السابق في قضية اغتيال الحريري القاضي الياس عيد أصدر يوم 13/10/2005 «مذكرة توقيف غيابية» بحق الصديق، للاشتباه فيه بجرم «القتل عمداً ومحاولة القتل العمد والاشتراك بأعمال إرهابية، وحيازة أسلحة ومتفجرات». وتطلب المذكرة توقيفه و«سوقه بلا إبطاء إلى دائرة المحقق العدلي في قصر العدل ببيروت». وفي الشهر ذاته، صدرت مذكرة توقيف دولية بحق الصديق بحسب التقرير الثاني للجنة التحقيق الدولية (فقرة 27). يوم 16 تشرين الأول 2005، أوقفت السلطات الفرنسية الصديق، بعدما تقدّمت السلطات اللبنانية عبر المدعي العام التمييزي بطلب لاسترداده. وبعد أكثر من أربعة أشهر، (24 شباط 2006) أصدرت محكمة استئناف فرساي قراراً ردّت فيه الطلب اللبناني لعدم وجود ضمانة بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام أو عقوبة الأشغال الشاقة بحقه، إضافة إلى عدم الثقة بتمكّنه من ممارسة حقه المشروع بالدفاع عن نفسه أمام القضاء. ورأت المحكمة الفرنسية بالتالي أن قبول طلب الاسترداد مخالف للقانون الفرنسي. وبعد هذا القرار، أفرجت السلطات الفرنسية عن الصديق. ورغم أن رئيس الجمهورية السابق إميل لحود كان قد أرسل في آب 2006 كتاباً إلى السلطات الفرنسية يتعهد فيه عدم تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الصديق في لبنان، فإن السلطات الفرنسية لم تستجب للطلبات اللبنانية باسترداد الصديق، ولم تكن حتى بداية الشهر الماضي فد بتت آخر طلب لبناني لاسترداد المشتبه فيه.
ورغم وجود مذكرة توقيف دولية بحقه، تمكّن الصديق من مغادرة الأراضي الفرنسية، مما يطرح تساؤلات عدة عن مدى التزام الدول التي قصدها وغادرها الصديق تطبيق مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق المدعى عليه. كما أن هذه الدول تخالف ما طلبه مجلس الأمن الدولي في قراره الرقم 1636، الذي، إضافة إلى ثنائه على الحكومة اللبنانية «لاعتقالها المسؤولين الأمنيين اللبنانيين السابقين المشتبه في ضلوعهم في هذا العمل الإرهابي، وتوجيه الاتهام إليهم»، وإضافة إلى مطالبته سوريا بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، فإنه يفرض التزامات على كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ومن هذه الالتزامات «أن يخضع جميع الأفراد الذين حددت اللجنة أو الحكومة اللبنانية أسماءهم باعتبارهم أشخاصاً مشتبهاً في اشتراكهم في التخطيط لهذا العمل الإرهابي، أو تمويله، أو تنظيمه، أو ارتكابه، وبعد إبلاغ هذا التحديد إلى اللجنة المنشأة في الفقرة الفرعية (ب) أدناه، وبموافقتها، للتدابير الآتية: «تتخذ جميع الدول التدابير الضرورية لكي تمنع هؤلاء الأفراد من دخول أراضيها أو عبورها، مع العلم بأنه ليس في هذه الفقرة ما يلزم أي دولة رفض دخول مواطنيها إلى أراضيها، أو لكي تكفل، في حال وجود هؤلاء الأفراد داخل أراضيها، إتاحة هؤلاء الأفراد لإجراء مقابلات مع لجنة التحقيق، إن هي طلبت ذلك».
(الأخبار)