وسيم وهبيأعادت قضية اختفاء الشاهد زهير الصدّيق في باريس إحياءَ النقاش في بعض الملاحظات بشأن الاتفاق الموقّع بين لبنان والأمم المتحدة، كما النظام الأساسي للمحكمة. إذ إن السبب الأساس لعدم استرداد الصديق كان خشية السلطات الفرنسية من غياب ضمانة عدم تنفيذ عقوبة الإعدام أو عقوبة الأشغال الشاقة بحقه. ولم تقبل بتعهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الصدّيق في لبنان، لذا لم تستجب لطلب الاسترداد، وظل الصدّيق في فرنسا حتى شيوع نبأ اختفائه.

إن خشية «المجتمع الغربي» من تنفيذ عقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة قد انسحب إلى الاتفاق الموقّع بين لبنان والأمم المتحدة، وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن إنشاء محكمة خاصة بلبنان، وإلى النظام الأساسي للمحكمة.
ورد في الفقرة 22 من تقرير الأمين العام الصادر في 15 تشرين الثاني 2006 أنه «في حين أن قانون العقوبات اللبناني هو القانون الواجب التطبيق، إلا أن انطباقه مقصور على الجرائم والجنح المنصوص عليها في المادة 2 من النظام الأساسي. كما أن انطباقه مرهون بأحكام هذا النظام الأساسي، وبالتالي تستثنى منه بعض العقوبات (مثل عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة) التي ينص عليها القانون اللبناني». لا بأس في تقرير هذه الاستثناءات، إذ إن شريحة كبيرة من اللبنانيين تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من النصوص اللبنانية، كما أن الأشغال الشاقة لا تنفذ في لبنان منذ إقرارها. إلا أن ما يثير العجب هو المادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة التي جاء فيها أنه «يسري على الملاحقة القضائية والمعاقبة على الجرائم المشار إليها في المادة 1:
(أ‌) أحكام قانون العقوبات......
(ب‌) المادتان 6 و7 من القانون اللبناني المؤرخ في 11 كانون الثاني 1958 بشأن «تشديد العقوبات على العصيان والحرب الأهلية والتقاتل بين الأديان».
إن إيراد بعض من مواد هذا القانون بهذا الشكل يستلزم إبراز بعض الملاحظات:
أولاً: ورد قانون 1958 بغير اسمه الحقيقي، إذ لم نجد في الجريدة الرسمية عنوان «تشديد العقوبات على العصيان والحرب الأهلية والتقاتل بين الأديان»، بل ورد عنوان القانون تحت اسم «تعديل بعض مواد قانون العقوبات». وبالتالي لا ندري من أين جيء بهذه التسمية.
ثانياً: ورد في الأسباب الموجبة لهذا القانون أنه «كثرت في الآونة الأخيرة أعمال الإرهاب بواسطة المتفجرات والاعتداءات على الأشخاص والمساكن، فساد الذعر قلوب الأهلين الآمنين. وقد رأت الحكومة أن من أجدى الوسائل لمداواة هذه الحالة تشديد العقوبات على المخالفين». وبناءً عليه علق تطبيق المواد 308 و309 و310 و311 و312 و313 و315، واستعيض عنها بمواد شددت العقوبات الواردة فيها إلى الأشغال الشاقة وإلى الإعدام. وهكذا فإن قانون 1958 لا يشير إلا إلى الجرائم المشددة عقوباتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة والإعدام. ومن هنا كان إيراد هذا القانون في نظام المحكمة من باب لزوم ما لا يلزم، على أساس أنه جاء في تقرير الأمين العام أنه ستستثنى عقوبتا الإعدام والأشغال الشاقة من التطبيق.
لا شك في أن هناك العديد من الملاحظات بشأن النظام الأساسي لهذه المحكمة، لكن في كل مرة كان يُتّهم من يناقش هذا الموضوع بأنه يريد تبرئة القتلة المفترضين للرئيس الحريري، لكن حادثة اختفاء الصدّيق أعادت إلى الواجهة النقاش في بعض ما ورد في نظام المحكمة.