باريس ـ بسّام الطيارةرغم ما يبدو على وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير من قرف، وربما تراجع في الاهتمام بالملف اللبناني، فإن ما ظهر خلال المؤتمر الصحافي الاستثنائي الذي عقده أمس أن الأسئلة الموجهة إليه في هذا الموضوع خاضعة لـ«ريموت كونترول» ذي خلفيتين: إما أن تكون مطروحة من طرف يدرك كوشنير مسبقاً توجهاته، وإما أسئلة تصب في خدمة استراتيجيا رئيس الدبلوماسية الفرنسية وتخدم أهدافها. لذلك جاءت الأجوبة منطوية على هجوم واضح على حزب الله وقاسٍ بدبلوماسية على رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن خلفهما كل المحور المعارض في لبنان و«الممانع» في المنطقة.
فكوشنير الذي يوحي هذه الأيام كأن ملف لبنان لم يعد يعنيه ولا شيء لديه يقوله في شأنه، بدا في مؤتمره أن لديه الكثير من المواقف ــ الرسائل التي طيّرها في اتجاه أحادي، من خلال قفزه في الأجوبة على أسئلة «مطلوبة» إلى شؤون لم ترد في السؤال مباشرة، فاتخذ من سؤال عن «دور إيران السلبي في لبنان والمنطقة» مدخلاً للحديث عن الانتخابات الرئاسية في لبنان. وقال إن فرنسا «لم تدع بري إلى زيارتها»، رغم معرفة الجميع عدم وجود مشروع زيارة لرئيس مجلس النواب لفرنسا. وتطرق بتهكم إلى «مبادرة فرنسية يتحدث عنها الجميع»، لينفي وجود أي مبادرة من هذا النوع، واضعاً اللوم على «اللبنانيين» في الفشل، من دون أن ينسى اللازمة الغربية: أن ايران لا تُسهم في الحل، ولا سوريا، وصولاً إلى أن «حماس وحزب الله و(الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة) أحمد جبريل، ليسوا عناصر تهدئة وسلام».
ورأى كوشنير أن قضية حزب الله خرجت عن إطار الحدود اللبنانية، وقال: «أعتقد أن إعادة تسلح حزب الله التي يعرفها الجميع تمثِّل قضية جدية»، وأن «منشآت» الحزب «في لبنان، بالغة الخطورة أيضاً». ورغم وصفه للحوار في لبنان بأنه صعب، وقوله إن صداقته «مع نبيه بري قديمة»، تساءل: «لماذا لا يكون الحوار في البرلمان؟ لماذا يُقفل باب البرلمان؟ ولماذا تؤجل الانتخابات 17 مرة؟»، متهماً بري بأنه «لا يمتلك حرية الحركة»، وتحداه في أن يفتح باب المجلس «وسوف أنزل للحضور صامتاً». وبعد ذلك استدرك محاولاً التخفيف من حدة موقفه من بري بالقول إنه «لا يمكن الاكتفاء باتهام شخص واحد»، وهناك بعض «الذين يشكلون ثقلاً على السياسة اللبنانية، منهم من الخارج وآخرون من ممثلي الشعب اللبناني».
ويأتي المؤتمر الصحافي لكوشنير دورياً، يحل فيه محل الناطقة الرسمية باسكال أندرياني مرة في الشهر في إطار «سياسة تواصلية جديدة» تهدف إلى امتصاص الإحساس بأنه «في الوزارة ولا يفعل شيئاً». وربما لذلك رفع الصوت حول ما سمّاه «الخطر» و«التهديد الإيراني» والذي انطلق منه للحديث عن احتمال تشديد العقوبات على طهران. وذلك في توجه رأى دبلوماسي أوروبي أنه انزلاق جديد نحو زيادة الالتحاق بالسياسة الأميركية، وهو ما يصفه المراقبون بأنه «أطلسة لسياسة فرنسا».
التي ستظهر أول آثارها في لبنان، إذ أكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أن هذا التوجه الجديد الذي يقف وراءه فريق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الخارجية هو «تحضير لتدويل الملف اللبناني».