مصلح مصلحما بال اللبنانيين لم يتّعظوا حتى الآن من الدروس التي تلقّوها؟ لماذا لم يقتفوا أثر الشعوب التي سبقتهم إلى الهدف التغييري ويروا أنّ الحرب أو الحروب ما هي الا وسيلة لبلوغ هدف تقدّمي على حساب الرجعية والتخلّف. وإذا كانت الدروس السابقة لم تفِ بالغرض المطلوب، فإن صورة الحالة الراهنة ستكون أشدّ قساوة وضراوة، وفي ذات الوقت أكثر انقشاعاً وأكثر وضوحاً من سابقاتها، وما على الشعب وكل المواطنين ومن كل الطوائف إلا الحذر والتحديق ملياً في الأوضاع المزرية، كي يلتفوا حول مصالحهم ويبتعدوا عن الزعماء الطائفيين المذهبيين.
واذا كانت الجماهير الشعبية قد توصّلت إلى أن هؤلاء الزعماء تجار السياسة والطائفية والمذهبية يحافظون على مصالحهم في كل الظروف، فما على المتضررين و«الغلابا» من الشعب اللبناني إلا أن يبدؤوا بـ«الانزياح» التدريجي عن أولئك الزعماء، أبناء الطبقة الواحدة المنقسمة على ذاتها في حركتين سياسيتين كاريكاتوريتين، الأولى تسمى الرابع عشر من آذار، أي ثورة الأرز زوراً، والثانية الثامن من الشهر ذاته، المربكة والحائرة، والمتطلّعة باستمرار إلى هدفها الدائم، أي شراكة كاملة مع ثورة الأرز الميمونة في الحكومة والسلطة. ثورة الأرز التي قد انقشعت صورتها وبانت مواقفها السياسية والاجتماعية، وأعطت نموذجاً لها هو دولة فؤاد السنيورة التي أخذت على عاتقها تدويل لبنان بأبعاده الأساسية الاقتصادية عبر باريس 3، والقضائية عبر إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة من قتل الرئيس رفيق الحريري، وأمنية عبر قرار مجلس الأمن رقم 1559 و1701، تحت شعارات تضليلية كالحرية والسيادة والاستقلال، وساقتها بوجه الوجود السوري في لبنان مستفيدة من الأداء السيّىء لمخابراته.
أمّا المعارضة، واذا ما استثنينا منها المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، فإنها جزء لا يتجزأ من الطبقة البورجوازية والطائفية الحاكمة وتتفق مع 14 آذار في أنها لم تطرح برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً في صراعها الداخلي، ولم تستطع توظيف انتصارها على العدو الصهيوني في الصراع الاجتماعي الداخلي لكونها طائفية.
الانتصار الذي حققه المقاومون الأبطال في جنوب لبنان، إن لم يخرج من شرنقته الفئوية والمذهبية والدينية والطائفية إلى رحاب الوطنية والقومية والعلمانية، وإلى المدى الأوسع لكل المقهورين والمضطهدين، سيصاب بالشلل والإعاقة وصولاً إلى المحو من الذاكرة.