جان عزيزقد يكون من أبرز المؤشرات الدالة على مصير جلسة الانتخاب الرئاسي في 22 الجاري ومسار الأزمة اللبنانية الراهنة، الخبران الواردان من واشنطن عن حادث بحري جديد بين سفن أميركية وإيرانية في الخليج، وعن تصريح وزير الدفاع الأميركي في مؤتمر صحافي بأن كميات الأسلحة المرسلة من إيران إلى العراق زادت.
والرابط بين هذين الخبرين وبين استشراف آفاق المأزق الرئاسي في لبنان، لا يعود إلى الموقف الأميركي في ذاته، وانعكاساته المخطط لها في بيروت، بقدر ما ينبثق الربط بين المسألتين من الحسابات الداخلية والعربية لفريق السلطة والقوى الإقليمية الداعمة له والراعية لحركته.
ولفهم أكبر وأوضح لهذه العلاقة، يسأل أحد السياسيين المشاركين في صلب المساعي والمبادرات القائمة داخلياً وخارجياً: إلى ماذا تستند قوى الموالاة، وعلى ماذا ترتكز الرياض، العرّاب الأساسي لهذه القوى، في استمرارهما برفض كل المبادرات والمساعي والمقترحات؟
وينطلق السياسي المقصود في تساؤله، من اعتقاده الجازم بأن هذا الفريق لن يتجاوب مع مبادرة نبيه بري الأخيرة. وأياً كان الإحراج العلني والإرباك الإعلامي اللذان قد يسببهما طرح عين التينة الأخير، فأن التعنّت سيكون الجواب الوحيد.
ويفصِّل السياسي نفسه قائلاً، إنه قبل 30 آذار الماضي، كان الاعتقاد سائداً بأن الموقف السعودي ــــ الحريري المشترك، سيلبث منتظراً نتائج قمة دمشق، ليبني على الشيء مقتضاه. وكان واضحاً أن هذا الفريق لم يقف متفرجاً ومنتظراً. بل حشد كل قواه ليسجل نقاطاً أكثر في نزال القمة. لكن المحصّلة جاءت عكس توقعاته في شكل كبير وموضوعي.
يكفي المسح التالي لتبيان ذلك: أربع دول خليجية شاركت في القمة. مقاطعة اليمن جاءت باهظة الثمن، ورافقتها رسائل جانبية. الأردن كثّف اتصالاته السورية تبريراً لموقفه الشكلي، وراهن في شكل ناجح على تفهم دمشق لاعتباراته ولمصالح الطرفين المشتركة. وكان لسان حال عمّان يقول: اتركونا ورقة مستورة إلى جانبكم، وجرِّبونا عند التحديات الجدية الممكنة، تماماً كما عشية أنابوليس وزيارة عبد الله الثاني إلى العاصمة السورية. أما مصر، فبات الجميع يدرك بصمت ومن دون كلام، أن حضورها صار أقرب إلى البروتوكول. فبين أوضاعها الداخلية الصعبة، ووقوعها تحت ضغوط الاقتصاد و«السلام» و «الإخوان المسلمين»، أضحت القاهرة عملياً خارج الخارطة الفعلية لقيادة «الصف العربي»، وخارج الموقع الجدي لمقولة «البدر السنّي». هكذا أظهر الحدث الدمشقي، أن الرهان السعودي ــــ الحريري المشترك، على نكسة عربية وإقليمية ودولية لسوريا، لم يكن ناجحاً، أو على الأقل لم تأت نتائجه كافية للبناء عليه في الواقع اللبناني.
على ماذا يستمر الرهان إذن؟ قد يكون ما عرضه الباحث الاستراتيجي العسكري من مركز ستراتفور، جورج فريدمان، جواباً ممكناً: فلنعدِّد هذه المؤشرات:
1 ــــ في شباط الماضي عمدت واشنطن إلى زيادة احتياطها النفطي الاستراتيجي، إلى ما فوق 96،2 من قدرته الاستيعابية. والقيام بهذه الخطوة، رغم القفزة الحاصلة في أسعار النفط العالمي، وفي ظل عدم وجود أي حاجة اقتصادية أو مبرر استهلاكي لها، يؤشر إلى احتمال قيام «ظروف» ما، تحول دون تدفق النفط إلى الغرب.
2 ـــــ في شباط الماضي اغتيل عماد مغنية في دمشق، واتهمت إسرائيل بأنها قد تكون خلف العملية. أياً كانت الوقائع، فالثابت استناداً إلى المنطق والسوابق، أن من قام بالعملية يسعى إلى إشعال صاعق ما.
3 ــــ في شباط أيضاً حركت واشنطن قطعاً من أسطولها السادس إلى قبالة السواحل المشرقية للمتوسط، حيث لا تزال رابضة.
4 ــــ إسرائيل نفّذت أكبر مناورة عسكرية في تاريخها.
5 ــــ سوريا نشرت فرقتين مدرعتين وثالثة مؤلّلة من جيشها على الحدود اللبنانية البقاعية، وهو ما تؤكده مصادر «ستراتفور» رغم النفي المعلن.
6 ـ وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، ألغى زيارة كانت مقررة هذا الأسبوع الى ألمانيا، علماً أن موعدها كان مجدولاً قبل شهر، رغم الموعد المعروف في حينه لمناورة «المنعطف الثاني».
7 ــــ ديك تشيني، ثم وزير دفاعه روبرت غايتس زارا سلطنة عمان، حيث النقطة الأقرب إلى الساحل الإيراني على مضيق هرمز.
8 ـــــ تلفزيون إسرائيلي يعلن في 8 الجاري أن إسرائيل اكتشفت أسلحة صدام حسين المهرّبة إلى سوريا، في إشارة إلى الغارة على الشمال السوري في 6 أيلول الماضي.
هل صارت الحرب الإقليمية أمراً محسوباً إذن؟ وهل حسمت مسائل سرعتها ونتيجتها وتداعيات يومها التالي؟ من المستحيل الرد على ذلك بالإيجاب. غير أن المؤشرات السابقة تبدو كافية لاستمرار الرهان ورفض المبادرات ورفع السقوف، وكافية للتأكيد على أن قانون فؤاد شهاب لا ميثاقي، مقارنةً بقانون غازي كنعان.