strong>قبل عام واحد تقريباً، سعت رابطة الصحف العالمية، بالتعاون مع مشروع اليونسكو الخاص بالإعلام والموارد البشرية، إلى تدريب ممثلي بعض المدارس الرسمية والخاصة على اعتماد الصحف وسيلةً تعليمية. الهدف أعجب المتدرّبين من جمعية المبرات الخيرية فأوصوا بتكييف الخطط التعليمية في الجمعية بما يتناسب مع تطبيق المشروع ابتداءً من العام الدراسي الجاري
فاتن الحاج
«يفلفشون» الجريدة، يختارون النص الذي يحبونه، يتفاعلون مع الأخبار ويحللونها بشكل متباين، يكتسبون مهارات التفكير الناقد، لكن التحدي هو الوصول إلى تلميذ يقرأ الآخر. فهل قبلت جمعية المبرّات الخيرية التحدي بعدما أدخلت الصحف إلى صفّ السابع أساسي، في خمس مؤسسات هي: ثانوية الإمام الحسن، ثانوية الكوثر (بيروت)، ثانوية الإمام الجواد (رياق)، ثانوية الرحمة (النبطية) وثانوية المجتبى (حي السلم)؟ وما هي الصحف التي «يفلفشها» التلامذة؟
يشرح مدير ثانوية الإمام الحسن محمود طقش أنّ الهدف هو تمكين التلميذ من استخدام الصحيفة بطريقة نقدية، عبر أنشطة تستهدف محاكاة مهارات إبداء الرأي وتحليل المعلومات. من هنا فنحن منفتحون، كما يقول طقش، على كل الصحف وتصلنا حالياً «النهار» و«السفير» و«الديار» و«الأخبار»، وننتظر المزيد، لكون التعرف إلى الآخر بكل ألوانه هو أساس المشروع الذي يندرج ضمن المسعى الدولي الذي تقوم به رابطة الصحف العالمية للمساعدة في إرساء التعليم الأساسي والديموقراطية عبر استخدام الصحف في الصفوف الدراسية. ويوضح طقش «أننا أدخلنا الصحف كوسيلة تعليمية في مواد اللغات والتربية والاجتماعيات لتدريب تلامذتنا على استخراج بعض الخصائص الثقافية والسياسية وأنماط العيش والعادات، واستنتاج معطيات كاملة عن المجتمع، وليس استخدامها وسيلة للقراءة ومصدراً للمعلومات فحسب.
ولكن إلى أي مدى يسهم برنامج استخدام الصحف في التعليم بالفعل في تقوية وتعزيز الثقافة الديموقراطية للطلاب؟
تشير الدراسات العالمية، يؤكد طقش، إلى أنّ الأطفال الذين تعلموا القراءة والكتابة من الصحف كثيراً ما يحققون نجاحاً أكبر من أولئك الذين استعانوا بالمواد التعليمية التقليدية، كما يزداد اهتمامهم بما يدور في العالم من حولهم. وبالمناسبة، يستدرك طقش، فالجريدة ليست غريبة عنّا فقد كنا نستخدمها في مؤسساتنا كإحدى وسائل التعليم الناشط قبل أن نعتمدها في الصف.
في الصف السابع أساسي في ثانوية الإمام الجواد، تسلّم معلمة اللغة العربية مريم الخطيب صحيفة لكل تلميذة وتطلب منهن نشاطات عدة تستهدف تبويب الصحيفة وأنواع الخبر وطريقة صياغته. تسأل المعلمة: كيف نكتب الخبر؟ تجيب ريم: نكتب الخبر على شكل هرم مقلوب بعدما نطرح الأسئلة الآتية: من؟ ماذا؟ أين؟ كيف؟ ولماذا؟ تظن للوهلة الأولى أنّ التلميذة حفظت إحدى التقنيات الإعلامية، فماذا عن التطبيق؟ يأتيك الجواب سريعاً فتكتب ريم خبراً عن نشاط نظمته مدرستها في عيد الشجرة، وقد رتّبت فيه العناصر من الأهم إلى الأقل أهمية. تكافئ المعلمة ريم وتدعوها إلى البحث عن خبر مفرح في الجريدة.
أما ندى فتتوقف عند الفرق بين الكتاب والصحيفة «الكتب تبقى لسنوات عدة، أما الصحيفة فتعطينا أخباراً جديدة كل يوم». وتضيف: «عندما نمسك الجريدة نشعر أننا ندخل إلى عالم آخر مليء بالأخبار والمعلومات الجديدة، ويكون الخبر مكتوباً بشكل مفصل». هنا تتدخل ربى فتقول: «نختار الصحيفة التي تعكس همومنا والتي نرتاح وننسجم معها، فكل وسيلة إعلامية تنحاز إلى جهة سياسية معينة، والصحافي ينقل الخبر الذي يحلو له، مع أنّه يجب أن يعتمد الدقة والموضوعية والقلم الصادق».
من جهتها، علّقت فاطمة: «للمعلمة دور إيجابي، فقد عوّدتنا أن نبحث عن الخبر ونقرأه، ولولا الصف لما كنا نملك الحشرية لنطلب من أهلنا أن يحضروا لنا الصحيفة في المنزل، فبعد إدخال الصحيفة إلى المدرسة، أحببتُ أن أكون في قلب الحدث وأن يكون لي دور في نقل الأخبار». وترى رابطة الصحف العالمية في هذا الصدد أنّ الطلاب الذين يتعلمون في المدارس قراءة الأخبار التي تتضمنها الصحف ومناقشتها وتحليلها وتفسيرها يحصلون على حق لا يتوافر لهم دائماً في منازلهم.
كانت المرة الأولى التي يطل بها التلامذة، توضح المنسقة الإعلامية في الثانوية كليمة نون، على الصحيفة التي دخلت في مجال التعبير الشفوي وعوّدت الطالب على القراءة السليمة لأي نص من دون أن يكون مضبوطاً، إضافة إلى التحليل الشفوي، موضحة «أننا نسعى إلى تشويق الطلاب واخراجهم من الروتين، فنمنحهم حرية القراءة بعيداً عن الحفظ والتلقين، تمهيداً لتصميم مجلتهم الصفّية».
وتدرّب معلمة اللغة الفرنسية فاطمة عرار تلامذتها على قراءة «les copains» وكيفية استخدام الألوان، وتطلعهم على الفرق بين الخط العريض والخط الرفيع، وكيف يختارون الصور المناسبة للنص المناسب. وتنفي عرار أن يواجه التلامذة صعوبة في اللغة، فالملحق يكتب بلغة سهلة، على حدّ تعبيرها.
أما في ثانوية الإمام الحسن، فلا تفرض المعلمة النص على التلامذة، بل تدعوهم لاختيار النص الذي يحبونه من الجريدة. وفي التمرين، اكتشف التلامذة كيف تؤثر الصحف على مشاعرهم. لكن تعليقاتهم لا تخلو من الصور النمطية، فعلي خريس اختار من الصحيفة «أيتام دارفور» موضوعاً للتحليل، وما أثار غضبه أنّ الوزير «اللاأخلاقي» برنار كوشنير تجاوز الحدود، إذ لا يجب أن يتعدى على هؤلاء الأطفال الذين يحق لهم العيش.
ومن النشاطات التي طلبتها المعلمة أن يختار التلامذة مقالة من الجريدة يعتقدون أنها تنطبق على بعض من هذه العبارات (لا أتخيل أنّ أحداً يقوم بذلك، هذا سيكون موضوع نقاش لوقت طويل قادم، هذا ما هزني، كان جديراً أن أعرف ذلك من قبل، خطأ بشكل مريع، لا يمكن أن يكون صحيحاً، ممتاز بحق، سعيد بأنني أفهم ذلك، أتوقع حدوث هذا، ليس من شأني، كيف يمكن ذلك، مملّ. وتعلّم التلامذة أن يكتشفوا ويستنتجوا ويعرفوا ويجيبوا عن سؤال: «كل شخص يقرأ الجريدة قد يشعر أحياناً بالغضب أو الحزن أو السعادة الشديدة إذا قرأ أحد المقالات. لذا ما عليك فعله، أن تبحث في الجريدة عن مقالة تجعلك غاضباً. قم بقصّ المقالة وعنوانها على الكرتونة، واشرح لماذا تجعلك غاضباً؟».