عمر نشابةلكلّ شخص الحقّ بالمحاكمة، ولا يحقّ لأي كان اعتقال أشخاص لسنين دون تحديد موعد محاكمتهم. ما الذي يصعّب فهم دولة الرئيس فؤاد السنيورة لهذه القاعدة البسيطة؟ وما الذي يجعل حكومته تردّ على مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لالتزامها هذه القاعدة القانونية؟ لا جواب. لكن في يوم واحد، نجحت الحكومة في إلحاق الأذى بعصفورين، متجاوزة المعايير الإنسانية والقانونية الدنيا.
إصابة العصفور الأول جاءت إثر إرسال مجلس الوزراء مذكّرة إلى فريق العمل المعني بالاعتقال التعسّفي في المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، رداً على اعتبارها أن اعتقال أشخاص لأكثر من سنتين ونصف السنة من دون تحديد موعد لمحاكمتهم اعتقالاً تعسّفياً. أقلّ ما يقال في تلك المذكّرة هو أنها مضلّلة لمبادئ القانون الدولي. حكومة السنيورة «البتراء»، كما وصفها رئيس المجلس التشريعي المنتخب من الشعب، تخالف مفوضية حقوق الإنسان وتعطي درساً قانونياً في تبرير الأساليب القمعية والنهج البوليسي الاستخباري الظالم.
إصابة الحكومة للعصفور الثاني جاءت أكثر إيلاماً، وجرحت مشاعر الآلاف من الذين لم يمرّ يوم دون تشوّقهم لأحباء وأبناء وإخوة لهم فُقدوا خلال الحرب. فلم تكلّف الحكومة نفسها عناء متابعة عملية التنقيب بجدّية في مكان يشتبه في أنه مقبرة جماعية. فلماذا لم يُستعان بالمباحث العلمية في قوى الأمن الداخلي؟ ولماذا لم تطلب الحكومة المساعدة التقنية من لجنة التحقيق الدولية؟ ألا يدلّ إهمال الحكومة لعملية تفتيش عن بشر فقدوا أثناء الحرب، تجاوزاً لاحترام كرامات الناس... هذه الحكومة ورئيسها اللذين لطالما علّمونا دروساً في قدسية الشهداء ووجوب الخشوع أمامهم.