رنا حايكارتبط الامتناع عن الطعام تاريخياً بالسلوك الاحتجاجي وشاعت ممارسته في إيرلندا خصوصاً، حيث كان هناك من يعدّ نفسه ضحية غبن، يقصد منزل ظالمه ويمارس أمام عتبته إضراباً عن الطعام فيلطّخ شرفه بموته جوعاً وهو في ضيافته. يضحل الجسم خلال الإضراب عن الطعام شيئاً فشيئاً إلى أن يذوي: ففي الأيام الثلاثة الأولى، يستمد الجسم طاقته من مخزونه من الغلوكوز، بعدها يبدأ الكبد باستخدام مخزون الجسد من الدهون، أما بعد مرور ثلاثة أسابيع، فيدخل الجسم مرحلة الحرمان الكامل، يقوّض الجسد عضلاته وأعضاءه الحيوية بحثاً عن الطاقة، ولا تعود المياه المملحة التي يتناولها المضرب تكفيه فيقترب موعده مع الموت.
إلا أن العصر الحديث أفرز اضطرابات غذائية تؤدي إلى النتائج ذاتها أحياناً دون أن يكون دافعها «سياسياً» بل مستمدّاً من إرهاب الموضة النمطية التي تستلب مخيلة النساء وعقولهن فتحثّهن على تجويع أنفسهن للوصول إلى درجة كمال تقاس بالكيلو. فالمراهقة التي يمثّل التنحيف هاجسها يؤدي نحولها إلى انقطاع الدورة الشهرية عنها وحرمانها لاحقاً أنوثتها وأمومتها إذا استمرت في الانقطاع عن الطعام. ترتبط هذه السلوكيات بمشكلة نفسية تتمحور حول صورة الشخص عن ذاته. لذلك هي تتطلب علاجاً على مستويين جسدي ونفسي يجب عدم التهاون في اللجوء إليهما. لا يمكن لوم من يحافظ على وزنه من خلال اتباع نظام غذائي صحي، إلا أن المغالاة في محاولة التشبه بعارضات الأزياء توقع البعض أحياناً في شرك أمراض كالبوليميا وفقدان الشهية عن الطعام، وبدل أن يكونوا ضحايا قضية يدافعون عنها كأسلافهم، يصبحون ضحايا الموضة وعالم الإعلان...