روز زيادهالإنسان تسبح به روحه إلى خارج الواقع الذي يشاهده كل يوم. تأخذه إلى عمق الحسّ المرهف إن كان أمام جمال الطبيعة، أو الطرب في جلسات الفن. تقترب منه ذاته في سهرات السمر. تعتمر في نفسه رغبة السؤال عن أصدقاء قدامى، أو زملاء مرّوا في حياته. فيصل إلى حقيقته، إلى «الهُوَ» التي كانت قد ضاعت في خضم الحوادث التي تشلّ كل حسّ لا يرتبط بالضغط العام وتشنجاته.
كل هذه الأفكار تكوّمت في رأسي عندما شاهدت بعض حلقات من مسلسل «الملاك الثائر» جبران خليل جبران. وانتابتني غصة على واقعنا وحالنا. قارنت بين الفتى جبران الذي وعّته أمه على موهبته. رغم كل ظروفها السيّئة لم يفتها الانتباه إلى ابنها جبران وتشجيعه على الرسم والنحت والكتابة. الموهبة لا يعوزها الثراء المادّي لتنمو. بحاجة هي لمن يفهمها، من يعرف لغتها ليخاطبها ويشجعها على البروز.
مَنْ من الأهل اليوم يتجاوز الخوف من الغد لينتبه إلى أولاده ويلاحظ الموهبة عندهم أو يصغي إلى طلباتهم، أو يستمع إلى شرحهم لرغباتهم المستقبلية؟ هل طرح أب أو أم فقدت أحد أولادها في حادث سير، ما سبب تخطّيهم أصول القيادة؟ شبيبتنا تكتنفها السويداء من الإهمال، فيجدون في قيادة سياراتهم «فشة خلق»، وهكذا يهلكون وهم في ربيع العمر.
شبيبتنا يقترفون المعاصي لأنهم يفتقدون الاهتمام الوالدي. نحن نحب أبناءنا على طريقتنا لا بحسب حاجتهم. لا وقت لدينا، نحن نركض لتوفير الحاجات الأساسية، ونهمل الأكثر إلحاحاً وهو محادثة أولادنا، مشاطرتهم حماستهم لموضوع ما.
لكي نخفّف من حوادث السير المميتة، يجب علينا أن نخصّص وقتاً للدردشة مع أولادنا، ولنبرز أصحاب مواهب جدداً من كتّاب وشعراء وغيرهم مما يخص الفكر. علينا متابعة تصرفات أولادنا. فهم لا يموتون من الجوع، بل من الإهمال الذي يوصلهم إلى المهالك. كلنا مسؤول عن حياة الشبيبة.