غسان سعودبعدما بات أكيداً أن المدخل لأي حل مستقبلي سيكون الانتخابات النيابيّة، يبدو واضحاً أن قوى 14 آذار تحيّد حزب الله عن دائرة سهامها آنياً، لتركز التصويب على العماد ميشال عون مع إجماع معظم الأطراف على أن استمراريّة 14 آذار بكونها غالبية نيابيّة تقتضي تحجيم زعيم التيار الوطني الحر، وتصغير كتلته النيابيّة.
ولخدمة هذا الهدف، يقول أحد المسؤولين في هيئة المتابعة لقوى 14 آذار إن ثمة جهداً عفوياً، «غير مرتبط بخطط أميركيّة أو ما شابه»، لمحاصرة خيارات عون. ويتوزع هذا الجهد، الذي يضع جانباً محاولة تحجيم عون عبر اتهامه بالسورنة تارة والتبعيّة لحزب الله طوراً، وفق أربعة اتجاهات.
أولها، إحكام السيطرة على النقابات والجامعات، إذ هي المرّة الأولى التي يسجل فيها التيّار هذا التراجع في نقابات المهندسين، الأطبّاء، والمحامين، علماً بأنّ عامل المال كان دائماً موجوداً في هذه النقابات الثلاث، لكنه لم يمنع العونيين سابقاً من تحقيق نتائج أفضل.
ثانيها، الضغط الشعبي عبر تحريك الفعاليّات المناطقيّة في المتن، كسروان، جبيل، وزحلة بداية ثم بعبدا، عاليه، جزين، والبترون لاحقاً، للمطالبة بتسريع انتخاب رئيس للجمهوريّة ومطالب أخرى ليست ضمن أولويّات عون. حتّى يبدو وكأنّهم يلاقون قوى 14 آذار في منتصف الطريق، الأمر الذي سيربك قواعد التيّار.
ثالثها، ضرب صدقيّة الجنرال. وفي اعتقاد المسؤول في 14 آذار أن الصدقيّة تكاد تكون آخر أوراق القوّة الشعبيّة عند عماد الرابية. ومع بعض الجهد للتشكيك بهذه الصدقية، يمكن الانتقال إلى مرحلة آخرى، وسط تراكم المعطيات التي تخدم هذا الاتجاه من إظهار الأكثرية أنّ عون استخدم صوراً مزوّرة إثر «الثلاثاء الأسود» لتضليل الرأي العام إلى الملفات التي تحضّرها بعض قوى 14 آذار للتشكيك بمعطيات عون عن التوطين وعودة المهجّرين والفساد.
والاتجاه الرابع يقضي بتكثيف استطلاعات الرأي، «التي يحبّها عون»، وإبراز كل ما يشبه دعوة العضو السابق في تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال المر لاستقالة نواب المتن وإجراء انتخابات مبكرة لتحديد الأحجام، من منطلق أن نتائج الاستطلاعات من جهة، وتهرب مسؤولي التيّار من ردٍّ مقنع على اقتراح المر سيشجع المترددين وسط الرأي العام على الجهر بنظرتهم السلبيّة لمواقف عون في السنتين الماضيتين.
وإذ يرى عضو آخر في أمانة سر 14 آذار أن هذه الاتجاهات الأربعة دخلت عمليّاً حيّز التنفيذ، يقول إن العماد عون هو المحرّك الأساسي لهذه العمليّة. ففوز الموالاة بنقابة المهندسين مثلاً ما كان ممكناً لولا التعاطي العوني الخاطئ مع الحزبين الشيوعي والسوري القومي الاجتماعي. وخروج المر وتحرّك البلديات ما كان ممكناً لولا تأزّم العلاقة الشخصيّة، لا السياسيّة. أما الصدقيّة، فيُسأل عون عنها في ظلِّ تمسكه بمن يزوّده بمعلومات أقلّ ما يقال فيها أنها غير دقيقة، مع تأكيد من رجُلي أمانة السر أن نقطة قوة الموالاة السياسيّة في الانتخابات المقبلة في مواجهة عون ستكون افتقار الأخير إلى المشروع.