نادر فوزفي الطريق الجبلية الضيّقة، تعبر الحاجز الأول، فالثاني، لتترجّل ويتولى رجال الأمن، عبر «ميني باص»، مهمة إيصالك إلى الداخل. تتجاوز البوابة الضخمة وحواجز التفتيش الآلية لما يسمّى «قلعة معراب»، فتطلّ على مدخل المكتب الإعلامي لقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، حيث يجتمع عدد من الزملاء والمسؤولين الإعلاميين القواتيين.
«ماذا تشربون؟»، يسألك أصحاب الصرح، ليقدموا بعدها مختلف أنواع المشروبات. الأجواء الهادئة ما بين الصحافيين والمكتب الإعلامي تريح أي زائر جديد. في الداخل التدخين ممنوع، وفي الخارج حيث يمكن إيجاد متنفّس لسيجارة يمنع الاقتراب من حافة الحديقة المطّلة على الوادي المؤدي إلى ساحل جونيه، كما يستحيل الابتعاد عن أنظار رجال الأمن. ويعلّق أحد هؤلاء «إذا وقعتم، لا قدّر الله، يجعلون من الحادثة مقبرة جماعية».
تستمرّ الأجواء المريحة، وإلى حين موعد المؤتمر الصحافي، يسعى البعض إلى استخلاص قرارات أو مواقف من المكتب الإعلامي، فينالون قسماً من الجوّ العام لـ«الحكيم». ينذر الأمنيون الصحافيين باقتراب الموعد، فيستعدّ الجميع للقاء رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية.
ينتهي المؤتمر الصحافي، يعود الصحافيون إلى لملمة أغراضهم التي يمنع إدخالها إلى موقع المؤتمرات الصحافية، لينصرفوا وهم يناقشون ما عرض خلال الدقائق الأخيرة، فيتسنّى للبعض الجلوس على انفراد مع مسؤولي المكتب الإعلامي القواتي. يدخل سيّد معراب متسائلاً عن مراسلي «الأخبار»، يرحّب بالجميع معتذراً عن ضيق الوقت، ويستوضح أولاً عن وضع المؤسسة. «لا مجال لأي مقابلة صحافية هذه الأيام، فما نريد قوله يمكن قوله بمؤتمرات صحافية أو إعلان مواقف»، يقول جعجع، ليذكّر بأنّ المقابلة الصحافية الأولى كانت لـ«الأخبار»، مستذكراً جوزف سماحة، رئيس تحرير الصحيفة رحمه الله.
يضع جعجع بعض الملاحظات على أداء الصحيفة، كعدم الأمانة في نقل الوقائع والمعلومات، «ورغم ذلك نحن هنا نتقابل ويهمّنا الانفتاح على الطرف الآخر»، ليشير إلى أنّ الأبواب مفتوحة على جميع الإعلاميين لضرورة وقف الأخطاء الصحافية وتوضيح وجهات النظر. ينسحب جعجع من المكتب الإعلامي واعداً بلقاءات طويلة.
يبدأ الحديث مع أفراد الدائرة الإعلامية المقرّبة من جعجع، فيوضحون أنّ العلاقة معه لم تكن يوماً «علاقة بين زعيم وأنصار»، ليشيروا إلى أنّ هذا ما جعلهم يرتبطون به ويؤمنون بقضيّته حتى في أحلك الظروف، مشدّدين على طلبه، حتى أيام المجلس الحربي، «لا أريد أناساً يصفّقون، بل أنصاراً يناقشون ويطرحون الأفكار».
وفي عرض سريع لبعض حوادث الحرب الأهلية الماضية، يؤكد إعلاميّو «الحكيم» أنّ الهاجس الأول لديه يبقى توفير الحاجات الأساسية للمواطنين. ففي رأيه، «لا يمكن أن تطلب من أحد أن يقدّم إنتاجاً ما وهو يفكّر بحاجاته الإنسانية الأساسية»، مبرّرين التنظيم الاجتماعي الحديدي في المنطقة الشرقية أيام الحرب.
«مواقف القوات اللبنانية لم تتغيّر»، يقول أحدهم، مشيراً إلى مضمون «لبنان أولاً» الذي كانت القوات اللبنانية أول من رفعه، ليضيف أنّ المصالحات بدأت منذ عام 1992 مع الحزب الشيوعي، وأنّ النقد الذاتي متواصل، «لكن التاريخ أثبت أننا كنا على حقّ»، مؤكداً أنّ تجربة السلاح كانت مريرة «لا تأتي بنتائج طويلة الأمد». الوجهة العامة للقوات اللبنانية اليوم هي أنه «لا يمكن بناء لبنان الدولة إلا بطرفيه المسيحي والمسلم»، ونبش حوادث الماضي يجب أن لا يكون خطاباً لـ«تسويد» صفحة الآخر، بل منطلقاً للانفتاح، «لن أقول إننا كنا ملائكة في الحرب، لكن يجري تحميلنا مسؤولية أمور لم نرتكبها»، ثم تذكير بعبارة مؤسس القوات اللبنانية «نحن ملائكة هذا الشرق وشياطينه».
وعن دور المكتب الإعلامي والسياسة الإعلامية للقوات اللبنانية، يتحدث أحد الموجودين عن اعتماد بعض الأطراف سياسة التشويه، و«هي أسلوب لا يضرّ فقط الطرف المستهدف، بل يدمّر المجتمع»، إذ إنّ التضليل ليس من مصلحة أحد. وينقلون عن جعجع إيمانه بالأسلوب المباشر للتخاطب مع المواطنين، فـ«الهدوء وانتقال الأفكار أفضل من اعتماد النهج الديماغوجي للآخرين»، مؤكدين أنّ غياب البروباغندا يمثّل نقطة ضعف للقوات اللبنانية.
اللقاء مع مسؤولي جعجع الإعلاميين لم يأخذ إطاراً محدداً، فكانت أفكار ومواضيع لم ينته من مناقشتها أحد بعد. أما المارونية السياسية، التي لا يزال يعتزّ القواتيون بتوجّهها الثقافي والحضاري، فكان لها محطة مهمة من النقاش، وقال أحد الموجودين: «نعني بذلك الإرث الثقافي وتوجّه المجتمع والازدهار، دون أن تقتصر هذه الوجهة على الموارنة»، مشيراً إلى شارل مالك.