خصومه يتّهمونه بـ«الضبابيّة السياسيّة» والتركيز على الخدماتطرابلس ـ عبد الكافي الصمد

غداة الانتهاء من الانتخابات الطلابية التي جرت في ستّ كليات ومعهدين تمثّل فروع الجامعة اللبنانية في الشّمال، حرص الرئيس نجيب ميقاتي على استقبال طلاب «شباب العزم» المنضوين تحت لواء تيّاره، لتهنئتهم بالنتائج اللافتة التي حققوها فيها، والتي أعطت إشارة إضافية إلى التقدّم الهادئ الذي يحرزه هذا التيّار عاماً بعد آخر.
ويعود سبب احتفاء ميقاتي بشباب تيّاره، ليس إلى بروزهم كقوّة طلابية صاعدة استطاعت في زمن قصير ترسيخ وجودها، بل إلى كون «تيّار ميقاتي» ككل قد بات صعب التجاهل على الساحة الطرابلسية والشّمالية، ويتطلع إلى ما هو أبعد من خوضه الانتخابات الطلابية والنقابية، وهو ما أشار إليه مدير قطاع الشباب في «جمعية العزم والسعادة» ماهر ضنّاوي، من أن استحقاق الانتخابات الطلابية هو «مكان عبور بالنسبة لنا، وليس أساس عملنا».
ومع أنّ ضنّاوي أشار إلى أنّه «لا نيّة لنا حالياً لإنشاء تيّار سياسي»، فإنّ الكلام الذي أطلقه ميقاتي خلال استقباله الفائزين، أعطى مغازي عدّة، ورسم في إطاره ملامح تيّاره الجديد، وتوجهاته المبدئية التي يرفع من «الوسطية» و«الاعتدال» شعارين لها، مستغلاً المناسبة ليؤكّد أنّ «فوزكم دليل قاطع على حصولكم على ثقة زملائكم، وإنّه مؤشّر عام يؤكّد أنّ النّاس سئمت منطق الخصومة والتناحر والعدائية التي تحكم علاقة القوى المتخاصمة، وباتت تتوق إلى التوافق والوئام لبناء المستقبل».
هذا الحضور المتصاعد لتيّار ميقاتي في أحياء طرابلس كلها، على صعيد الخدمات والمساعدات والتقديمات التي يمنحها عبر جمعيته للفئات الشعبية المتواضعة الدخل، من أفراد وطلاب وهيئات وجمعيات، أثار قلق أغلب القوى والتيّارات السياسية فيها، وأبدت هذه القوى خشيتها من أن يكون ميقاتي من خلال استمراره بفتحه الباب على مصراعيه في هذا الجانب، مقبلاً على سحب البساط من تحت أرجل الجميع في المراحل المقبلة.
وإذا كانت حالة «الارتياب» والانزعاج من حضور ميقاتي قد برزت بداية لدى الرئيس عمر كرامي، عقب إطلالته السياسية الأولى كوزير للأشغال في حكومة الرئيس سليم الحص بعد انتخاب الرئيس إميل لحود، ومن ثمّ في الانتخابات النيابية عام 2000، وما رافقها من حملات سياسية وإعلامية تقاذف فيها الطرفان الاتهامات، قبل أن تستقر الأحوال بينهما اليوم على علاقة يصفها الفريقان بـ«الجيدة»، فإنّ ما بدأ يشوب العلاقة بين ميقاتي و«تيّار المستقبل» من تدهور غير معلن، قد وصل إلى حدّ المواجهة المباشرة بينهما في الانتخابات الطلابية، وينذر بأنّ أيّ استحقاق مقبل سيحتدم بين الطرفين، بعدما شهدت تلك الانتخابات اتهامات وجّهها «شباب المستقبل» إلى «شباب العزم» بأنّهم يمثّلون غطاءً لقوى 8 آذار، وردّ العزم بنفيها، وأنّ الهدف منها إبعاد الأضواء عن رفضهم و«رابطة الطلاب المسلمين» إدخال «القوّات اللبنانية» في أيّ تحالف طلابي، حسبما اشترط «المستقبل»، نظراً لخصوصيات طرابلسية وشمالية معروفة.
إزاء هذا المشهد الذي بدأ يتكوّن في طرابلس، تضاربت الآراء والمواقف بشأنه، وهو ينتظر له أن يتبلور أكثر.

جبهة العمل

أوساط مقرّبة من «جبهة العمل الإسلامي» أشارت إلى أنّ عمل ميقاتي في طرابلس «كان يجري في الوقت الضائع، الذي كانت فيه الأطراف السياسية اللبنانية تتناحر في ما بينها ولا تزال، فأخذ العمل الإنمائي خلالها جزءاً كبيراً من نشاطه، الذي بدأه على نطاق واسع في هذه الفترة».
ويبدو أنّ هذه الأوساط تأخذ على الرئيس ميقاتي أن مواقفه «رمادية»، وأنّه «ليس حاسماً كفاية»، وأنه يعتمد على المساعدات في ظل الوضع الصعب للناس. وترى هذه الأوساط أن في ذلك «ثغرة كبيرة في عمله السياسي».
وأوضحت الأوساط أنّ على ميقاتي أن «يثبّت فكراً سياسياً محدّداً في وجدان تيّاره، وأن يقيم تحالفات سياسية مع آخرين من كلّ المناطق والطوائف، لا أن يبقى يغرّد منفرداً، لأنّه يستطيع إنشاء تحالف كهذا خارج دائرة التحالفات الحادة الموجودة اليوم، والأرضية لنجاحه متوافرة». وأعربت عن اعتقادها بأن «عدم صوغ ميقاتي تياراً سياسياً واضحاً قد يهدد ما يقوم به الآن من جهود».

الجماعة الإسلامية

في موازاة ذلك، يرى مصدر مسؤول في «الجماعة الإسلامية» أنّ حضور ميقاتي في السنتين الأخيرتين «لا يشبه ما كان قبلهما، فوجوده اليوم بات لافتاً، وهو يسلك نهجاً وسطياً بين قوى 8 و14 آذار، وخطاً لا ملاحظات كبيرة عليه، لكونه يتوافق مع خطنا، وجمع الفرقاء المتنازعين، ما يجعل القاعدة الشعبية لكلينا مشتركة»، موضحاً أنّ الجمهور المؤيد للجماعة «يتداخل مع جمهوري ميقاتي و«المستقبل»، إلا أنّ المشكلة تبرز عندما يصبح الفريقان على طرفي نقيض». كما ينتقد المصدر «اقتصار حركة الميقاتي على الخدمات، صحيح أن الشرائح التي يتوجه إليها محتاجة، لكن الكل يعرف أن ما يوظفه الآن مادياً وخدماتياً بوفرة، سيُوظفه سياسياً في نهاية المطاف». وشدّد على أنّ السياسة الوسطية التي نتّبعها وميقاتي «تواجه صعوبات. فهناك طرفان سياسيان يستقطبان الساحة اللبنانية بحدّة، لذلك فإن تقييم عمل ميقاتي ليس سهلاً الآن، فنجاحه أو فشله رهن متغيرات تتمثل في حصول تسوية، أمّا إذا استمر الاستقطاب فإنّ حظوظه تتراجع».

المستقبل

وفي حين رفضت أوساط «المستقبل» التعليق على الموضوع بـ«قرار سياسي»، ومن أجل «عدم الدخول في سجالات»، رأت شخصيات معارضة أنّ «إيجابية ميقاتي تكمن في أنّه أبعد جمهوراً شمالياً عن الأكثرية، وإنْ لم يقرّبه من المعارضة».


منتدى الوسطية

بعد إنشاء مؤتمر الوسطيّة في لبنان قررت جمعية العزم والسعادة الاجتماعية إطلاق منتدى الوسطية في لبنان (هيئة لبنانية غير حكومية) ليكون جزءاً من الحركة الوسطية العالمية. ويهدف المنتدى إلى نشر فكر الوسطية والاعتدال والدعوة إلى الالتزام به. ويسعى للتحوّل إلى مؤسسة ثقافية دولية فاعلة على المستوى العالمي معترف بها من جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، وإلى نشر فكر الوسطية عن طريق إنشاء دار نشر وترجمة تتولى إطلاق «المكتبة العالمية للوسطية» عبر طباعة ونشر كل الأفكار والآراء التي تعنى بالفكر الوسطي وترجمتها من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى وبالعكس، واعتماد الموقع الإلكتروني للمنتدى في لبنان نواة لنشر الفكر الوسطي ومنهج الاعتدال.