الكمبيوترات الأولى وأقراص صلبة قديمة... ومسارات أدوات تكنولوجية أحالتها الثورات المتعاقبة إلى التقاعد باريس ـ خضر سلامة

المتحف هو حصيلة نجاح معرض مؤقت سابق استمر منذ حزيران 2007 حتى مطلع نيسان 2008. ذُهل المنظمون من الإقبال الضخم على المعرض الذي مثّل «ذاكرة لعصر المعلوماتية»، فزاره أكثر من 150 ألف زائر، وقد رافقه 30 نشاطاً، وقد تقرّر تحويله إلى متحف حقيقي وثابت، يواكب ركب المعلوماتية منذ عام 1940.
في مبنى grande arche de la defence أُقيم المتحف ليجمع على مساحة 400 متر مربع أكثر من 200 قطعة إلكترونية «من أصغر التفاصيل حتى أكبرها»، فيه الكمبيوترات الأولى التي شغل بعضها مساحة غرفة كاملة (كجهاز الـ IBM 360 المصمم عام 1960)، ويضم قطعاً نادرة كالمودم الأولى التي تزن نحو عشرة كيلوغرامات... ويضم أقراصاً صلبة قديمة، ومساحات تخزين ضخمة يتدنى حجمها مع تقدم التاريخ، والطابعات الأولى...
أول «ميكروكمبيوتر» فرنسي اخترع عام 1970، يقدمه المتحف على أنه قطعة ثمينة لإنجاز تكنولوجي في ذلك الحين، وكان يزن حوالى 12 كيلوغراماً! وكل هذه القطع تُعرض بشكل متسلسل، يتيح لنا فهم التراكم التدريجي للتطور في قطاع المعلوماتية، على شكلٍ يوضح النقص في قطع الماضي، وماذا قدم التطور في صناعة القطع المعاصرة لتذليل الصعوبات التي كان يواجهها مستخدمو التكنولوجياالقطع المعروضة أُحيلت بمعظمها إلى التقاعد، بعد هرمها وسحقها من قبل الثورات الإلكترونية المتلاحقة في صناعة القطع، تُعرض مع فيديو خاص بكل قطعة، يشرح حيثيات اختراعها ووظيفتها وكيف تعمل، ويقدم المتحف أيضاً عروضاً ثلاثية الأبعاد، يدخل إليها الزائر من حجرة خشبية أو مركبة على نسق الموضة التي كانت سائدة في الستينيات، وقد حوت صوراً جامدة أو رسومات، مع عروض ميكانوغرافية، وهذا الانتقال يجعل الزائر يفهم الرسالة التي أراد المنظمون إيصالها لإيضاح النقلة النوعية بين الماضي والحاضر، نقلة لم تكن مفاجئة، بل تأتي على شكل سلسلة: تماماً كالسلسلة الزمنية التي ترسمها المعروضات بين مسيرة الماضي والأعوام القريبة.
نيووبورغ، المهووس بالمعلوماتية وبملاحقة آخر أخبارها، كان قد صرّح بأن المتحف سيتحول إلى محجة لمحبي التكنولوجيا، وسيحوي كل الاختراعات الجديدة في القطاع، وسيصير من السهل مقارنة المنتج بأسلافه من القطع التي كانت تؤدي وظيفة كل اختراع، وسيشهد المتحف أكثر من مئة وخمسين حدثاً كل سنة، ومن المنتظر أن يستقطب 300 ألف زائر كل عام كحد أدنى حسب توقعات نيووبورغ، وهو يرى في هذا المتحف ـــ السبق، استثماراً ناجحاً، سواء على المستوى العلمي أو المستوى المالي.
العاملون في الدائرة الإعلامية في إدارة المتحف، لفتوا إلى «الثقة الهائلة» التي حازها المتحف من كبريات المؤسسات المصرفية والإعلامية الفرنسية، فهو ينطلق ليكون بيتاً يؤوي كل الأحداث العلمية في قطاع صناعة أدوات المعلوماتية، ومن المتوقع أن يكون مركزاً إدارياً أيضاً لاحتفالات الشركات وإقامة المؤتمرات المتخصصة، هذا إضافة إلى «الرسالة المعنوية والنفسية التي يحملها المتحف»، وذلك تحت عنوان «خيط الزمن» الذي يعيد رسم اختراعات الماضي وإنجازات الحاضر وتركيبها، ويفتح للزائر علامات المستقبل المعلوماتي والتكنولوجي
وملامحهويستعين أعضاء مكتب الإعلام ببرقيات ومقالات صحفية ليلفتوا إلى أن الإنجاز الأهم كان مرتبطاً باهتمام المؤسسات الرسمية للدولة الفرنسية بإنجاح الفكرة، «فحضرت مثلاً وزارة الداخلية الفرنسية بثلاثة وفود متخصصة لاكتشاف المواد المعروضة وإثراء موظفيها المتخصصين في المعلوماتية، من خلال تعريفهم على إرث الماضي التكنولوجي، ولتساعدهم المعلومات المقدمة على استشراف المستقبل في قطاع أضحى يتعلق بالمنظومة الأمنية، وإن فكرة المعرض الذي ولد منه المتحف كانت قد مثّلت مادةً مهمة أثناء الانتخابات الرئاسية، حيث تلقينا برقيات الدعم والإعجاب من الرئيس ميشال ساركوزي، ومن سكرتيرة الحزب الشيوعي الفرنسي بوفيه، وأبعد من ذلك، كان لتعاون المراكز المختصة الأميركية واليابانية، الدولتين الرائدتين في هذا المجال، دوراً في جعل المتحف، متحفاً للذاكرة العالمية»، وفي المتحف أيضاً، أعداد مجلة «le monde informatique» (العالم المعلوماتي) منذ العدد الأول حتى توقفها عن الصدور عام 2007.
تجدر الإشارة إلى أن المتحف سيشهد موسمياً معارض جانبية، وسيجري توسيع مساحة المتحف كل ستة أشهر، فإذا نجحت الخطط التمويلية، فستبلغ مساحة المتحف 2500 متر مربع، مكتملة المعطيات ومجهزة بأحدث وسائل العرض، وموازنةً بين الماضي والحاضر.
أخيراً، يبقى المتحف صرخة مؤثرة في وجه التحول السريع والتطور الفائق الذي يشهده عصر الكمبيوتر، لضمان عدم محو ذاكرة الأجيال السابقة، أو كما يعبر نيووبورغ: «المتحف محاولة للوقوف بوجه نسيان الماضي، فعل النسيان الذي يرتكبه الجيل الجديد الذي لم يتعرف إلى أدوات الجيل السابق... وهو أمر ممتع!».