فاتن الحاجإذا كانت حرية التعليم المنصوص عليها في الدستور تجيز للمؤسسات الدينية افتتاح المدارس الخاصة بها، فإنّ «الإقصاء» الذي تمارسه هذه المدارس قد استحوذ على جزء لا بأس به من اللقاء الحواري الذي تحوّل أمس إلى جلسة مصارحة بين وزارة التربية والتعليم العالي والعائلة التربوية تحت مظلة اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو، بمناسبة أسبوع التعليم للجميع. وبدا لافتاً انفتاح الوزير خالد قباني وإدارته التربوية على كل الملاحظات بعد التركيز على الورش المتواصلة في الوزارة. قباني أعلن «أننا لسنا بوارد أن نحل مكان المدارس الخاصة باعتبار أنّ حرية التعليم تكفل للمؤسسات الطائفية إنشاء مدارسها، شرط أن لا تكون مقفلة على فئات أو طوائف معينة وأن لا يكون إسداء التعليم على أساس عقائدي يخالف مفاهيم التنوع والانفتاح». يسأل مدير اللقاء الزميل جهاد الزين: «هل هذا حقاً ما يحصل؟». يتدخل مدير مدارس العرفان الشيخ سامي أبو المنى ليقول «إنّ المدارس الدينية لا تأخذ قرار الإقصاء، بل تلتزم الجمع بين دورها التربوي المنفتح وإرساء القيم والأخلاق، ومن يتخذ القرار هم الأهل أنفسهم، وهو بالتالي إقصاء طوعي قد يؤدي إلى تهميش المدرسة الدينية ما لم تكن خطة وطنية في هذا الشأن». لكن الإقصاء التربوي، كما قالت الأمينة العامة للجنة الوطنية لليونسكو سلوى السنيورة بعاصيري، لا يقتصر على ضحايا الفقر، الذي يعانيه أكثر ضحايا الحروب والنزاعات والكوارث البيئية والطبيعية وسكان الأحياء الشعبية المكتظة والمناطق النائية، بل هو يمتد إلى نسب واسعة من ذوي الحاجات الخاصة ممن يعانون صعوبات تعلم، وإعاقات جسدية وذهنية ونفسية، ولطالما تقاطعت العوامل السالبة لتحدّ من فرص التعليم أو تلغيها وتجعل الأطفال ممن هم في سن الدراسة أكثر عرضة للتأخر الدراسي والتسرب، وبالتالي للتهميش والإقصاء اللذين يولدان حكماً مشاعر اليأس والإحباط والخوف، وهي مشاعر تجعل المهمّش أكثر عرضة للاستغلال والعنف. وهنا طالبت عضو مجلس بلدية طرابلس الأستاذة الجامعية سميرة بغدادي بإعلان خطة طوارئ لبعض البلدات الشمالية، مثل باب التبانة حيث بلغت نسبة التسرب المدرسي 50 في المئة. وعلّق الزين في هذا المجال قائلاً: «الإحصاءات تشير إلى أنّ الشمال هو الموضوع الاجتماعي الأول بامتياز». وعن خطة الطوارئ، قال: «مطلوب خطة طوارئ سياسية». لكن ما كان مستغرباً أن يكون الزين مقتنعاً لهذه الدرجة بالوضع «الفضائحي» للجامعة اللبنانية.
من جهته، قال قباني: «فلنترك الدولة غارقة في ما هي غارقة فيه ولنعمل معكم على خطة الطوارئ هذه، وذلك بعدما أقرّ أنّ هناك سوء توزيع فاضحاً للمدارس والأساتذة في لبنان لكوننا لا نطبق الخريطة المدرسية». وبالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الإضافية، شدّد على «أننا نعمل منذ سنتين ونصف وقد وضعنا القطار على السكة، لكن الرحلة طويلة وشائكة، وخصوصاً أنّه ليس لدينا معطيات كاملة عن الحالات الشديدة التنوع».
وفي اللقاء الحواري، اقترحت ندى مغيزل (كلية العلوم التربوية في الجامعة اليسوعية) اعتماد آلية لتجسيد الشراكة بين وزارة التربية والتعليم العالي وهيئات المجتمع المدني مثل إنشاء مجلس تربوي أو ما شابه لتمهين التعليم والإدارة التربوية.
وتحدث المدير العام لمؤسسات الرعاية الاجتماعية ـــــ دار الأيتام الإسلامية محمد بركات عن أخطاء ارتكبها المركز التربوي للبحوث والإنماء، ومنها إلغاء صف التمهيدي والترفيع الآلي الذي لم يقترن بالدعم المدرسي كما كان منتظراً. وسألت مديرة التربية والتعليم فاطمة بكداش الرشيدي عن الدور الذي تؤديه وزارة التربية في الإشراف على «المعاقل العقائدية»؟ أما مديرة مجمع خديجة الكبرى سهير منصور فطرحت تساؤلات عدة برسم وزارة التربية: «ماذا بعد الخطة الوطنية للتعليم للجميع؟ أين أصبحت إعادة النظر في المناهج؟ لماذا لم يخرج النقاش إلى العلن؟ ماذا عن الطفولة المبكرة والتربية الشمولية التي ناقشناها مراراً وتكراراً، والترفيع الميسّر من دون الدعم المدرسي؟».