عمر نشابة مجموع الأشخاص الذين قتلوا في هجمات إرهابية وعمليات اغتيال منذ 2005 في لبنان لا يتعدّى 69، و«القاتل» ما زال مجهولاً، لكن هناك «قاتلاً» آخر أودى بحياة 1084 خلال الفترة الزمنية نفسها، نعرفه كما تعرفه الشرطة والنيابة العامة، وحتى الرئيس فؤاد السنيورة نفسه وأعضاء حكومته، لكنهم فشلوا جميعاً في حماية حياة الناس في الطرقات. «قاتل» من حديد، يضرب بلحظة ويتطاير الزجاج وتتناثر الأشلاء، أودى بحياة 408، بينهم عشرات الأطفال خلال عام واحد (2007)، ويستمرّ بالقتل، إذ بلغ عدد الضحايا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2008 إلى 78، رغم كلّ «الجهود» التي تبذلها الحكومة الحالية وأجهزتها المتخلّفة عن التطوّر والنموّ العلمي الفعّال لحماية الناس. لكن يمكن أن تفاخر الحكومة بنفسها، معلنةً أن حوادث السير انخفضت من 4103 عام 2005 إلى 2334 عام 2006، وتابعت انخفاضها إلى 2305 حوادث عام 2007، لكن الإعلان عن هذه الأرقام دون تعداد عدد القتلى الذين سقطوا جرّاء الحوادث لا قيمة له، والمفارقة أن عدد القتلى الذين سقطوا عام 2005 وهو 304، ارتفع إلى 372 عام 2006، ليصل إلى 408 قتلى عام 2007. وبالتالي فإن المعدّل الشهري للقتل في الطرقات ارتفع من 25 عام 2005 إلى 31 عام 2006، إلى 34 عام 2007، ولم تنشغل حكومة السنيورة عن جولاتها المكّوكية واهتماماتها بالمحكمة الدولية وأولوياتها الأخرى، لتعالج بجدّية مشكلة مقتل المئات في الشارع. وبقي شعار «العدالة» الذي ترفعه مجموعة السرايا العثمانية القديمة، مخصّصاً لـ69 قتيلاً، ومحرّماً على 1084 قتلوا خلال المدة الزمنية نفسها. وحتى لو وضعنا جرائم العدوان الإسرائيلي الذي أودى بحياة 1300 من شعبنا جانباً (وهذا أمر مستحيل)، تبقى حكومة السنيورة تميّز بين ضحايا القتل. إذ يبدو أن هذه الحكومة لا تغفل فقط ضحايا ليسوا مؤيدين لها سياسياً، بل هي لا ترى أن المئات الذين قتلوا في الشارع، حتى لو كان منهم من يؤيّدها، موازياً لقيمة 69 شهيداً «لأجل لبنان».
تغيب ليلاً الإضاءة عن «أوتوستراد» ساحل المتن الذي يمتدّ من الضبيّة إلى بيروت، وتُستبدل بآلاف اللوحات الإعلانية المنوِّرة على الجانبين. خطّ الـ«أوتوستراد» عرضه أكثر من 20 متراً، ولم تكلّف وزارة الأشغال نفسها عناء رسم الخطوط البيضاء التي تفصل بين المسارات. ودوريات الشرطة لا تراقب السرعة ولا التجاوزات على الأوتوستراد لحماية آلاف المارّة، فهي منشغلة بحماية الشخصيات وإغلاق الطرقات أمام الناس بحجّة الأمن. منذ 2005 جرح أكثر من 10799 شخصاً في الطرقات. استدعى ذلك إطلاق قوى الأمن بالتعاون مع اليازا حملة إعلامية واسعة النطاق رفعت شعار «لا تسرع الموت أسرع»، لكن لم تكن لهذه الحملة نتيجة ملموسة، فظلّت حوادث السيارات تحتلّ مركز القاتل الأول، دون رحمة أو شفقة أو تمييز.
لأجل ماذا قتل 1084 لبنانياً منذ 2005؟ لأجل المقاومة؟ أم لأجل سوريا؟ ما الذي يبرّر إهمال الحكومة حماية الناس الذين يدفعون لها الضرائب والرسوم؟ ومن سيحاسبها؟ لا أحد. إذ إن حكومة السنيورة ستختبئ، كما جرت العادة، وراء المذهبية وشعارات العدالة والمحكمة الدولية «لأجل لبنان».
في نظام يدّعي الديموقراطية، ألا يستحقّ 1084 قتيلاً من شعبنا تغييرات واستقالات بالجملة في السلطة المسؤولة عن حمايتهم؟