strong>ثائر عندورالتقى بداية هذا الأسبوع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط. ليس في الخبر ذاته ما يُثير، بل ما جرى في اللقاء. فلو عدنا أكثر من خمسة وعشرين عاماً إلى الوراء، لقرأنا الخبر ذاته عن لقاء بين رئيس حركة أمل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. فمنذ ورث جنبلاط الابن والده كمال بعد اغتياله، ومنذ تسلم نبيه برّي دفّة حركة أمل بعد رئيسها حسين الحسيني، مرّت العلاقة بين الرجلين بمدّ وجزر، لكنّها لم تنقطع.
هناك قواسم مشتركة بين الزعيمين. «بطلان» في الحرب، استخدما البندقيّة لخدمة مصالحهما السياسيّة، خرجا من حضن «الحركة الوطنيّة» ليتحالفا مع النظام السوري ويخوضا معارك بالنيابة عنه، وأحياناً معارك بعضهما ضد الآخر. شاركا في الطائف، فنال كلّ منهما حصّته «وزيادة» من قالب الحلوى اللبناني، رغم ادعاء الرجلين طموحهما إلى بناء الدولة القوية والعادلة والشفّافة.
عندما يتحدّث مسؤولون في الحزبين عن «الزعيم» يُفضّلان عدم ذكر الاسم. يتبادلان الغزل، «لأننا ـــــ يقول الجنبلاطيون ـــــ مقتنعون بأن نبيه برّي غير مرتاح في موقعه، وهذا ما يقوله نوّابه القريبون منه في مجالسهم الخاصّة»، يضيف أحد الكوادر في الحزب الاشتراكي. «ولأننا مقتنعون بأنه الرجل الأقوى في طائفته علينا التعامل معه مهما حصل» يقول مقرّب من رئيس مجلس النوّاب عن جنبلاط.
في رأي الاشتراكي، تنطلق العلاقة من مودّة كبيرة بين الرجلين، وعندما يُصرّح جنبلاط ضدّ بري يكون السبب أنه «توتّر من برّي، وخصوصاً أن الأخير يُقفل المجلس». ويضيف أن العلاقة تعود إلى سابق عهدها بعد هذا التصريح، ويعود التواصل ولو لم يكن بوتيرة يوميّة. ويرجع الاشتراكيون دائماً إلى ما كتبه مؤسّس حركة أمل الإمام موسى الصدر ليؤكّدوا نظريتهم أن الأفق السياسي لهذه الحركة، أُفق لبناني صرف وليس له أي امتداد خارجي.
يؤكّد المقرّب من برّي هذه النظرية دون أن يكون موجوداً في جلسة مشتركة مع شخص اشتراكي. يؤكّدها من خلال كلامه على ضرورة وجود حركة أمل في الوسط الشيعي. يُقسّم هذا الوسط ثلاث فئات: علمانيين ويساريين، ومتدينين ملتزمين ولهم امتداد خارج من لبنان عبر ولاية الفقيه والأمّة الإسلاميّة، والقسم الثالث مؤمن، لذلك لا مكان له في اليسار، لكنّه لا يستطيع أن يُماشي حزب الله في تديّنه ولا في بُعده الإقليمي، كذلك لا يستطيع مماشاته في مفهومه للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
ويقول الرجل ذو الجذور اليساريّة إنه لو لم يكن هناك حركة أمل لنشأ تنظيم شبيه يُدافع عن حقوق الطائفة. لكنه يشدّد على متانة العلاقة بين برّي وحزب الله لأن «رئيس المجلس مقتنع بضرورة وحدة الصف الشيعي، وأي خلاف داخلي قد يقضي على الطائفة»، وهو بهذه الطريقة ينقض كلام زميله الاشتراكي عن عدم اقتناع برّي بتحالفاته.
وعندما يتحدّث الرجلان عن الزعيمين، يذهبان بعيداً في سرد صفاتهما الإيجابيّة، وأنهما «لا يُمكن أن يتكرّرا». ويتحدثان عن الكاريزما والقدرة على التحليل والاستشراف، «ولذلك ليس من الضروري تطبيق الديموقراطيّة في موقع رئاسة الحزب وخسارة رجل كهذا» يقول الاشتراكي.