strong>رفض الأرمن دخول الحرب وحافظوا على مناطقهم واليوم يسعون إلى مدّ الجسور
شكّل الأرمن في لبنان غيتو خاصاً بهم، إلّا أن أحداً لا يمكنه أن يشكّك في وطنيّتهم وابتعادهم عن أي صراع داخلي على الأراضي اللبنانيّة. والأهم أنّ أبناء هذه الطائفة استطاعوا التميّز سياسيّاً بعضهم عن بعض، فأسقطوا عنهم صفة «الطائفة والزعيم»

نادر فوز
مهما انفصلت بين يسار ويمين، أو معارضة وموالاة، تبقَ القوى الأرمنية متّحدة حول قضيّتها المركزية: الإبادة التركية للشعب الأرمني. بعد مرور أكثر من ثمانية عقود على المجازر.، لا يزال الأرمن يطالبون بمعاقبة مرتكبيها وبتعويضات لضحاياها، في أيام السلم والحرب وفي عهود الأزمات و«السويسرات»، فالذاكرة حية والطائفة حيّة
بدأت نشاطات إحياء الذكرى عبر ندوات وتجمّعات كان أحدها أمس في بطريركية الأرمن في أنطلياس، وأهمّها عند الساعة السابعة والنصف من مساء اليوم في جبيل، في مسيرة تنطلق من دار الأيتام الأرمن وتقف عند موقف زعرور أحد أبواب الساحة العامة لجبيل. وكما جرت العادة، ستكون كنائس الأرمن مركزاً لإحياء الذكرى، إضافةً إلى ندوات متنقّلة في المناطقبعيداً عن الأوجاع القومية والتاريخية لا بدّ من الحديث عن الانقسام السياسي لأبناء برج حمّود، الذي يتأثر بكامل أبعاد الأزمة الداخلية. الطاشناق، الهنشاك والرمغفار، ثلاثة أحزاب لبنانية ـــــ أرمنية تعمل على الإمساك بالتمثيل الأرمني الذي أحكم الفريق الأول قبضته عليه، ما يضع الفريقين الآخرين أمام مهمة إعادة استقطاب الجمهور في ظلّ توافر الدعم السياسي ـــــ على الأقلّ ـــــ اللازم من قوى السلطة.
الأرمن والسياسة
لا تزال الأحزاب الأرمنية تجتمع على عدد من النقاط الأساسية التي تُعَدُّ خطوطاً حمراء لا يمكن أحداً تجاوزها، منها قضية الإبادة، والحياد الإيجابي خلال الحرب، والسعي للخروج من أي خلاف داخلي، «حتى إنّ الاختلاف السياسي لم يترجم ولا مرّة في الشوارع»، بحسب أحد متابعي الشؤون الأرمنية. ومن أبرز خصائص المجتمع الأرمني التزام أفراده القرارات، إضافةً إلى صدقية أحزابه في التحالفات السياسية. طوال الحرب بقيت العلاقة بين الأرمن والأحزاب المسيحية جيّدة، حتى إنّ أبناء الطائفة دعموا حزبي الكتائب والأحرار خلال الانتخابات، إلا أنّ الخلاف بدأ مع محاولات الكتائب السيطرة على «المنطقة» لضمّها إلى المتاريس الأخرى المحيطة بالعاصمة، فـ«كان أن رفض الأرمن الأمر وحموا شوارعهم من انتشار سلاح الميليشيات»، وهو ما يؤكده جميع الأطراف. ولا يزال الأرمن ملتزمون هذا الخيار، إيماناً منهم بأنّ لغة السلاح لا تساعد في أي حلّ، والجميع يقرّون بأنّ «دور الأرمن هو مدّ الجسور بين اللبنانيين والمحافظة على العيش المشترك»، كما أنّ «التمثيل الأرمني سيبقى للأحزاب الأرمنية».
لم يمنع الأمر انضمام عدد من المجموعات الشبابية إلى «المقاومة المسيحية»، وتجدر الإشارة إلى أنّ من أوائل شهداء الكتائب شاب أرمني سقط خلال المعارك، و«أمر طبيعي لأنّ السياسة مناطقية في لبنان» بحسب القسّ بول هايدوسيان. واليوم لا تزال كل التيارات تحاول دخول برج حمود سياسياً، إلا أنّ المجتمع الأرمني لا يزال محافظاً على ثقافته الخاصة.
واللافت أنّ أكثر من 60% من الأرمن هم خارج الحياة السياسية، لاعتبارات اجتماعية وثقافية عديدة أهمها تهميشهم عبر جميع العهود.
التمثيل النيابي
تشير إحصاءات الانتخابات النيابية منذ عام 2000، إلى أنّ من 80 إلى 85 في المئة من المقترعين الأرمن يؤيّدون الطاشناق، الذين تمثّلوا بنائبين، فيما استطاع الـ15 أو العشرون في المئة الباقون أن يتمثّلوا من خلال الهنشاك والرمغفار عبر نائبين، إضافةً إلى نائبين آخرين ترشّحا على لائحة تيّار المستقبل في بيروت. هذه الأرقام تضع علامات استفهام بديهية حول التمثيل النيابي الأرمني، في ظلّ «قانون غازي كنعان».
قبل عام 2000، «جرى الاتّفاق والرئيس الشهيد رفيق الحريري على أن يتناوب الأرمن والطوائف الأخرى على مقعد الأقليات في بيروت»، يقول نائب الطاشناق أغوب بقرادونيان، مشيراً إلى أنّ تيّار المستقبل أخلّ بالاتّفاق، ما سبّب فسخ التحالف الانتخابي بين الطرفين: لم تعد أغلبية الأرمن المطلقة ممثلة في العاصمة.
من جهة أخرى، خرج حزب الهنشاك من خلافه الداخلي الذي امتدّ بين أعوام 1996 و2006 على خلفية التحالف مع تيّار المستقبل في بيروت، وأعاد تجميع صفوفه رغم اختلافات في وجهات النظر، ولا ينكر أحد من الرمغفار والهنشاك ان التحالف مع المستقبل هو انتخابي.
أما في المتن الشمالي، حيث تمثّل الطائفة الأرمنية ركيزة بارزة، فالتحالف التاريخي بين الطاشناق والكتائب تلاشى خلال الأعوام السابقة، وازداد تلاشياً مع الخطاب الناري للرئيس أمين الجميّل بعيد انتهاء الانتخابات الفرعية الأخيرة، «ولانزال قيد الانتظار لعدم توسيع الخلاف» يقول بقرادونيان. وبقيت نقاط الالتقاء بين الطاشناق والنائب ميشال المرّ. أما الحزبان الآخران فيعتبران أنّ اعتذار الجميّل عن تصريحه أعاد المياه إلى مجاريها، بحيث بات في وسع الفريقين مواصلة طريقهما في صلب مشروع 14 آذار.
القانون الانتخابي
لا يعتبر حزبا الهنشاك والرمغفار أنّ قانون الانتخابات الحالي صالح، رغم استفادتهما منه في التمثيل النيابي. ويرى غارو بستريان، نائب أمين عام الهنشاك، أنّ مسألة التمثيل الانتخابي تتأثر بالتحالفات السياسية، «ولا يمكن تبنّي نتائج الانتخابات وإسقاطها على قدرة تمثيل كل الأحزاب». التلازم واضح بين الرمغفار والهنشاك، إذ يطمحان إلى قانون انتخابي يقرّ لبنان دائرة واحدة على الأساس النسبي، وحتى ذلك الحين يمكن تبنّي الدوائر الصغرى لقانون عام 1960. أما حزب الطاشناق، فيطالب بقانون الـ60 من بابه العريض، فـ«معارضتنا لقانون عام 2000 بدأت مع إقراره»، يقول بقرادونيان.


ضغط على الأمن
بعد انسحاب النائب ميشال المر من الإصلاح والتغيير، وبعد حادثة زحلة الأخيرة، ترى شخصيات أنّ الضغط السياسي سيتركز في المرحلة المقبلة على الطائفة الأرمنية، ولا سيما على حزب الطاشناق. ويندرج الأمر ضمن «سياسة تقويض الأطراف المسيحيين المعارضين»، فتكون الأحزاب الأرمنية، المعارضة أو الموالية، عنصراً جديداً للسير بهذه السياسة، إضافةً إلى محاولات شق صفوف وإظهار تيارات جديدة من طراز «تجمّع الأرمن الأحرار».
ويتخوف مطلعون على الملف الأرمني من أن يؤدي الأمر إلى «توتّرات، ولو نسبية، بين أبناء الطائفة الأرمنية».
مع العلم أن قوى السلطة نجحت بتمويل مجموعات سياسية أرمنية للضغط على أخصامها الأرمن من جهة ومساندة حلفائها من جهة أخرى.