تعتقل السلطات القضائية منذ آب 2005 مشتبهاً فيهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم يحدّد موعد لمحاكمتهم. مفوضية حقوق الإنسان ترى أن هذا الاعتقال تعسّفي ومخالف للعدالة، ووزير العدل والمدعي العام يشاركان في مؤتمر للعدالة. هل ستطرح هذه القضية؟
عمر نشابة

عادت قضية المعتقلين الثمانية الذين تشتبه فيهم السلطات القضائية اللبنانية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى الأضواء الإعلامية، بعد أن سرّبت إحدى الصحف، نقلاً عن مسؤول أمني رفيع، معلومات عن احتمال نقل أربعة منهم، هم اللواءان جميل السيد وعلي الحاج، والعميدان ريمون عازار ومصطفى حمدان، إلى سجن في طرابلس. كما عبّرت عوائل المعتقلين عن قلقها الشديد على حياتهم، وناشدت مجدداً القضاء مواجهتها بالدليل القانوني الذي يمنح حقّ السلطات استمرارها بالاعتقال. وكان شاهد ومشتبه فيه في جريمة اغتيال الحريري قد «اختفى» أثناء وجوده في فرنسا خلال منتصف آذار الماضي، بعد أن كانت السلطات القضائية الفرنسية قد رفضت تسليمه إلى السلطات القضائية اللبنانية التي كانت قد ادّعت عليه وأصدرت مذكرة لتوقيفه منذ 13 تشرين الأول 2005.
«إن حرمان الأشخاص الموقوفين الثمانية (الضباط الأربعة إضافة إلى أحمد ومحمود عبد العال وأيمن طربيه ومصطفى مستو) من حريتهم يُعدّ تعسّفياً لجهة تعارضه مع أحكام المادتين 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولبنان طرف في هذا العهد». هذا ما نقلته حرفياً المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في 21 كانون الأول من العام الماضي. وردّت الحكومة بإرسالها دراسة في 29 شباط الماضي رأت فيها أن ما صدر عن المفوضية العليا غير صحيح، وأوضحت فيها أن الاعتقال يتناسب مع مبادئ القانون الدولي، رغم أن الفقرة الثانية من المادة 9 للعهد الدولي تنصّ على «يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه، كما يتوجب إبلاغه سريعاً بأية تهمة توجه إليه»، بينما مرّ على الاعتقال أكثر من عامين ونصف عام دون أن يبلّغوا بالتهمة الموجهة إليهم. كما أن الفقرة الثالثة من المادة نفسها تنصّ على «يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعاً، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخوّلين قانوناً مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه». لذا يُستغرب ردّ الحكومة على الأمم المتحدة في قضية واضحة حقوقياً وإنسانياً تدلّ على تجاوز السلطات اللبنانية تعهّداتها الدولية لجهة احترام حقوق الناس. ولو كان موعد قد حدّد لانطلاق عمل المحكمة الدولية لكانت للحكومة حجّة ربّما تساعدها على تبرير توقيف المشتبه فيهم إلى حينه.
وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق القاضي ديتليف ميليس قد أوصى بتوقيف الثمانية في آب 2005، لكن خلَفَه القاضي سيرج براميرتس أرسل عدداً من الرسائل الرسمية، ومنها في 6 حزيران و24 تشرين الأول 2006 و30 كانون الأول و12 آذار و9 تموز و14 أيلول 2007، ذكر فيها حرفياً أن «كلّ مسائل الاعتقال تعود حصرياً إلى السلطات القضائية اللبنانية». استناداً إلى هذه الوثائق الرسمية، وإلى قرار مجلس الأمن 1595 الذي يحدّد صلاحية لجنة التحقيق الدولية، إن للقضاء اللبناني صلاحية إطلاق سراح الموقوفين دون الحاجة إلى صدور مذكرة دولية تدعوه إلى ذلك أو عكسه، وبالتالي فإن المرجع المسؤول عن استمرار سجن ثمانية مواطنين منذ آب 2005 دون تحديد موعد لمحاكمتهم هو المحقّق العدلي في القضية والمدعي العام التمييزي.
المؤتمر الإقليمي الثاني للعدالة
وكان القاضي سعيد ميرزا ووزير العدل شارل رزق ورئيس الغرفة السادسة لدى محكمة التمييز القاضي رالف الرياشي قد وصلوا إلى قطر أمس على رأس وفد قضائي، بدعوة من النائب العام في دولة قطر الدكتور علي بن فطَيْس المَرّي ووزيرة العدل الفرنسية السيدة رشيدة داتي لتمثيل لبنان في «المؤتمر الإقليمي الثاني للعدالة» الذي تنظمه النيابة العامة في دولة قطر ووزارتا العدل والخارجية الفرنسيتين تحت عنوان «فصل السلطات واستقلال القضاء، وإسهام النيابات العامة في دعم دولة القانون».
وجاء في بيان صدر عن المكتب الإعلامي لوزارة العدل أنّ الدول العربية «دُعِيَتْ إلى هذا المؤتمر للاستفادة من التجربة الأوروبية في التنسيق بين الأنظمة القانونية المختلفة، وصولاً لتحقيق تعاون وثيق وشامل بين الأنظمة القضائية العربية ونظام النيابة العامة الفرنسية في إطار الاتحاد الأوروبي».
وينتظر أن يصدر عن المؤتمر توصيات لـ«دعم دولة القانون»، فهل ستتضمّن قضية اعتقال أشخاص لمدة زمنية طويلة دون تحديد موعد لمحاكمتهم؟ وفي ما يخصّ «دولة القانون» الفرنسية، هل سيشار إلى قضية «اختفاء» مدّعى عليه ومشتبه فيه في جريمة وصفها مجلس الأمن بالإرهابية؟