strong>ليال حدادغزة تحترق. الهولوكوست الإسرائيلية أصبحت واقعاً، بعد تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين الستين «والعالم العربي متواطئ أنظمةً وشعوباً». هذا ما دفع عشرات الشباب من المنظمات الشبابية والطلابية إلى حمل أعلامهم والنزول إلى شوارع بيروت، وتحديداً إلى مقرّ ممثلية جامعة الدول العربية، لتذكير الجامعة بدورها المفترض في حماية أطفال غزة وشعبها.
حمل الشباب غزة إلى قلب بيروت إذاً، نادوا باسمها لعلّ العالم يسمع ويتحرّك، ولكنهم بقوا بمفردهم، يرددون شعارات حفظوها منذ سنوات. «أرنستو جيفارا قال أمريكا راس الحية، علمتنا فلسطين كيف بتكون الحرية»، «ما بدنا رز مسوِّس، بدنا رصاص تنقوِّص»، ردد المتظاهرون هذا الشعار الأخير أكثر من مرة. وأكّد عبد السلام برّاج من حركة الشعب أنّ الجميع مستعدّ للتضحية بالدم لنصرة أهل غزة «حركتنا انطلقت على أساس دعم كل المقاومات في العالم، فكيف إذا كانت هذه المقاومة عربية».
هذه المرة أيضاً لم يكن عدد الموجودين كبيراً، «ما بعرف ليش العالم ما بينزلوا، ما شافوا المجازر والذبح؟» تقول إيمان الحاج، مستغربة موقف الأحزاب اللبنانية، كل الأحزاب دون استثناء كما تقول. رأي إيمان مشابه لرأي كل الذين شاركوا أمس في التحرّك، فيسأل محمّد حطيط من اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني «هل يجب أن تكون المشاركة أو الحقيقة هي شعار التحرّك لنرى الناس تتهافت على النزول إلى الشارع؟».
غير أنّ عدم مشاركة الأحزاب الباقية في التحرّك لم يحبط الموجودين، «فنحن نفضّل أن نكون عشرة، ندرك سبب حضورنا، على أن نكون مليوناً ننزل إلى الشارع مقابل المال أو تلبية لمصالح زعمائنا» يقول محمود عيتاني.
وحرص الموجودون على توجيه رسالة إلى الإرهاب الإسرائيلي والصمت العربي على حدّ سواء، فرفعت إحدى المشاركات صورة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز يرقص مع الرئيس الأميركي جورج بوش في مطار السعودية، وإلى جانبها رفعت مشاركة أخرى عبارة «دماء أطفال غزة تروي الشرف العربي». ولم يخلُ التحرّك من «لطشة» إلى الداخل اللبناني، فرفعت لافتة «أعطِ بحرك للأمركان وسلملي على ثقافة الحياة».
أما الطفلة الفلسطينية نور عباس، فرددت أغنية ريم البنّا «طيري وهدّي يا وزّة عبلاد غزة يا وزة»، وتقول أمام الحاضرين «أنا بدي الوزة تحملني على فلسطين عشان أشوف بلادي».
وشارك في التحرّك الحزب الشيوعي، حركة الشعب، الحزب السوري القومي الاجتماعي، اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني والفلسطيني، منظمة الشبيبة الفلسطينية، وتيار المردة.
وفي مدينة شتورة، نفذت القوى الفلسطينية واللبنانية اعتصاماً رمزياً استنكاراً للمجازر الإسرائيلية في غزة. وطالب عضو اللجنة المركزية في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين عبد الله كامل المجتمع الدولي بالتدخل ووقف المحرقة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
كذلك نظّم حزب الله مسيرة شعبية من بلدة كفركلا إلى بوابة فاطمة. وانتقد المسؤول في الحزب الشيخ خضر نور الدين الحكام العرب «الملتهين بملذاتهم الشخصية، تاركين أهلنا وشعبنا في غزة يحترق، وأشلاء الأطفال بين أيدي أهاليهم». وسأل «أين الأسلحة المكدسة لدى الجيوش العربية؟ وأين الطائرات الجاثمة في المطارات العربية؟ فهل يحين وقتها عندما تمحو إسرائيل فلسطين من الوجود؟».
كما نظّمت القوى الفلسطينية في مختلف المخيمات في لبنان، تحركات شعبية تضامناً مع أبناء القطاع. ففي مخيّم البداوي جابت مسيرة شعبية شوارع المخيم، وطالب أبو فراس عيسى باسم فصائل المقاومة الرئيس محمود عباس بوقف المفاوضات مع قادة العدو، وشدّد على ضرورة البدء بحوار وطني شامل وصولاً إلى تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظّمة التحرير الفلسطينية، بعد إصلاحها على أسس ديموقراطية وبرنامج الحفاظ على الحقوق الوطنية وعلى خيار المقاومة.
من جهتها، نظّمت حركة حماس مهرجاناً سياسياً في مخيم البرج الشمالي في صور. وانتقد مسؤول العلاقات الخارجية في حماس علي بركة موقف السلطة الفلسطينية من إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وطالب عباس بعدم لقاء وزيرة الخاجية الأميركية كوندوليزا رايس في زيارتها المقبلة إلى المنطقة.
وفي سياق متصل، نظمت لجنة المتابعة الفلسطينية التي تضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني والقوى الإسلامية والكفاح المسلح الفلسطيني، مسيرات شعبية في مخيم عين الحلوة، شارك فيها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، تنديداً بالمجازر الإسرائيلية في غزة. وتجمعوا رافعين لافتات كتب عليها «من أطفال مخيمات الشتات إلى أطفال غزة، اصبروا إن النصر قادم». ولف عدد من الأطفال أنفسهم بأكفان بيضاء ملطخة بالدماء، في إشارة إلى ضحايا الهجوم الإسرائيلي، وبينهم عدد كبير من الأطفال.
كذلك تظاهر سكان مخيم البداوي بدعوة من حركتي فتح وحماس رافعين رايات سوداء ولافتات منها «سلحونا سلحونا وعلى غزة أرسلونا». وأطلق بعضهم عبارات نابية بحق عدد من القادة العرب. وشهد مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت تحركاً مماثلاً.
وفي مخيّم شاتيلا، دعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى تحرك شعبي، وحمل أربعة أطفال لعبة في عربة هي عبارة عن طفل رضيع ملطخ بالدماء، ويرمز للأطفال الرضع الذين تقتلهم إسرائيل، ورفعت الأعلام الفلسطينية.
وتحدّث ظافر المقدم عن المجازر الإسرائيلية والخلاف الداخلي الفلسطيني، «فالفرز السياسي والتقسيم السياسي عندما يتحوّل إلى فرز جغرافي وفصائلي، يعطي هذا العدو الوحشي في كل لحظة مزيداً من المبررات، فلسطين لن تحررها الحكومات، فلسطين لن يحررها إلا الكفاح الشعبي المسلح». وشهدت باقي المخيمات، لا سيما في البرج الشمالي وبرج البراجنة ومار الياس، تحركات مماثلة.
سيل المواقف المستنكرة والمنددة بما يحصل في غزة تابعت تدفقها أمس. نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أكد أن «العالم سيكتشف أن الدماء الفلسطيني الطاهرة هي التي تعبّد الطريق أمام التحرير الحقيقي، ولا إمكانية لإسرائيل، مهما بلغ حجم عدوانها، أن تغير المعادلة لمصلحتها». كذلك صدرت مواقف عن كل من: النائب أيوب حميد، رئيس المركز الوطني للعمل الاجتماعي في الشمال كمال الخير، الأمين العام لـ«رابطة الشغيلة» النائب السابق زاهر الخطيب، رئيس «الحركة الشعبية اللبنانية» النائب مصطفى علي حسين، وعضو «كتلة التحرير والتنمية» النائب قاسم هاشم.
وفي روزنامة الأنشطة لليوم، دعت الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية إلى لقاء وطني لبناني ــــ فلسطيني مشترك، الحادية عشرة من قبل الظهر في مركز توفيق طبارة.
(شارك في التغطية: نيبال الحايك، نزيه الصديق، بهية العينين، عساف أبو رحال، خالد الغربي، أسامة القادري)