strong>صيدا ـ خالد الغربيبمعزل عما كان يقصده شباب التنظيم في واحد من «سيمفونية الموشحات» القاصفة لعمر الحكومة وسياستها، وذلّ الأعراب الملوّثة أيديهم بدماء الفلسطينيين (وفقاً للهتافات)، بدا أن شعار «جينا يا صيدا جينا جينا نرجّع ماضينا» ليس مجرد نوستالجيا وحنيناً إلى أيام «العز»، بل واقع ترجمته كثافة الحضور الشعبي الصيداوي في «مسيرة الوفاء» التي دعا إليها التنظيم الشعبي الناصري إحياءً للذكرى الثالثة والثلاثين لاستشهاد مؤسّسه معروف سعد.
ووفقاً للإعلاميين القدامى، فإن المسيرة (على مستوى الحشد الجماهيري الصيداوي) تُعَدّ الأقوى منذ سنوات، وبذلك نجح التنظيم في تأكيد حضوره القوي في المدينة، وبدا أنه حقق إلى حد بعيد مبتغاه في تحويل الذكرى إلى نوع من الاستفتاء على خياراته السياسية والاستراتيجية التي ينتهجها، وعلى مشروعه السياسي، ولتوكيد الدور التاريخي للمدينة العابر للطوائف والمذاهب، على حد وصف النائب أسامة سعد، والملتصقة بقضايا العروبة.
في مشهد مشاركة الآلاف في المسيرة، يكون التنظيم قد عاد أمس بكامل لياقته البدنية وبجمهوره، شيباً وشباباً، إلى «الملعب» الأحبّ إلى قلبه، «الشارع الشعبي». وخلافاً للسنوات الماضية، فإن المشاركة الشعبية من المناطق الجنوبية والقرى الأخرى (ما عدا ناصريّيها من بلدة يارين وقرى إقليم الخروب) كانت محدودة ورمزية، وهو أمر رأت اللجنة التنظيمية المشرفة على إحياء الذكرى أنه «ليس انتقاصاً من هذا الجمهور الوفي، لكن في الزمن الفاشستي أردنا أن نقول للبعض إن هذا حضور صيداوي صاف»، بحسب أحد أعضاء اللجنة.
وما ينسحب على القرى ينسحب على المخيمات التي انشغلت في التحضير لمسيرة تضامن مع غزة، فاقتصر أمر الحضور من خارج المدينة على المشاركة السياسية الواسعة التي تقدمها إلى جانب النائب سعد ممثل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المسؤول السياسي في الجنوب الشيخ حسن عز الدين، ممثل رئيس مجلس النواب وحركة أمل نبيه بري عضو المكتب السياسي بسام كجك، ممثل رئيس كتلة الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون العميد فوزي بو فرحات، إضافة إلى ممثلين عن الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية والفلسطينية، وعلماء دين مسلمين ومسيحيين.
وبعيد العاشرة، انطلقت المسيرة من أمام مقر التنظيم في البوابة الفوقا، بعد تسوية «مشكلتين محدودتين» مع عناصر أمنية رسمية، إحداها كانت على خلفية شتم الحكومة وانزعاج رجل أمن من ذلك، وسط إجراءات أمنية مشددة وانتشار لعناصر، وتقدّمتها الفرق الكشفية وتلامذة المدارس وحملة الأكاليل مع عرض لوحدتين من الفرق، وحضور كثيف لعنصر شبابي، معظمه قد ولد بعد سنوات طويلة من استشهاد صاحب الذكرى، «لكن حكايات الأجداد والآباء عنه علّمتنا المعنى الحقيقي للنضال»، تقول طالبة الإعلام ليال رنو، ومجسمات صور للشهيد، وحسكة (كان الشهيد يُحمل عليها خلال المهرجانات)، وأخرى للزعيم العربي جمال عبد الناصر وصور مصطفى سعد والنائب أسامة سعد والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي هتف له الجمهور «يا نصر الله طل وشوف صيدا معك ع المكشوف»، وللشهيد عماد مغنية، كما رفرفرت الأعلام اللبنانية إلى جانب غابة أعلام التنظيم وبعض أعلام حزب الله.
فلسطين بمأساتها وبرائحة الدم وعرس الشهادة في غزة، كانت الحاضر الأقوى دون منازع. أعلامها رفرفت وتحولت المسيرة إلى مسيرة غضب ودعم، «يا شعبي اللي بغزة إنت الشرف والعزة، وخلّي صواريخ القسام بسديروت تعمل هزة». وصبّ المشاركون حمم غضبهم على الحكام العرب، وخصوصاً على دول «الاعتدال» العربي، «كلهم عملاء وأميركان من السعودية لعمان»، و«يا خادم الحرمين يا خاين الحرمين، ويا عبد الله إبن حسين شوف كرشك صار تنين، وإنتو عُمَلا الأميركان». كما كان فريق السلطة بتلويناته، عرضة لقصف هتافي عنيف، نال حصة الأسد فيه الرئيس فؤاد السنيورة وسمير جعجع، «رح بتيتّم عائلات بحاملة الطائرات وفؤاد بيّن سنّو (أسنان) كتروا بإيدو الدولارات»، وآخر «سنيورة والأميركان جابوا بوارج ع لبنان»، و«هيه ويلّا سنيورة طلاع برّا»، و«جعجع يا مصاص الدم قتلت الابن قتلت العم»، إلى شعارات وشتم «من العيار الثقيل» للحريرية السياسية وأخرى عن صيدا التي «ستبقى عرين الرجال والعروبة والعودة إلى ماضيها»، فيما كانت ترتفع وتيرة الغضب مع تواتر الأخبار عن مجازر جديدة.
ومن بين النسوة اللواتي انتظمن في بلوك الهيئة النسائية الشعبية، تخرج أم محمود رمضان لتقول «الله يهد جبروتهم». والشعار المطلبي والاجتماعي كان أيضاً «يا معروف طل وشوف مصّوا دمنا ع المكشوف»، وشعارات العدالة الاجتماعية وهتافاتها، إضافة إلى فلسطين، كانت الأقوى لدى صبايا وشباب الحزب الديموقراطي الشعبي «يا معروف طوّلت كتير شعبك صار كله فقير».
في المكان الذي أطلقت الرصاصات فيه على معروف سعد عند مستديرة النجمة، توقفت المسيرة دقيقة صمت مع عزف لحن الخلود، ومنها باتجاه شارع الأوقاف والسوق التجاري فالشاكرية، حيث انتهت المسيرة بكلمة من على شرفة مقهى شعبي اعتاد الشهيد التحدث من منبرها، للنائب أسامة سعد، أكد فيها «قدرة هذا الشعب على إسقاط مشروع جورج بوش لإقامة شرق أوسط جديد خاضع للهيمنة الأميركية الإسرائيلية». ودعا فريق الموالاة «إلى الإقلاع عن المراهنة على أعداء لبنان والأمة العربية»، مؤكداً أن «صيدا ستبقى كما أرادها معروف سعد قلعة للمقاومة، وعاصمة للجنوب الأبيّ، ومدينة للتلاقي والحوار، وستبقى كما أرادها معروف سعد عرين العروبة الديموقراطية، كما ستبقى عصيّة على الطائفية والمذهبية».