strong>نادر فوزيجلس نوّاف الموسوي بهدوء ليتحدث عن كل المواضيع الراهنة. يرى أنّ وصول البارجة الأميركية إلى قبالة الساحل اللبناني أمر مريح يعيد الصراع إلى نصابه الأساسي. المبادرة العربية وحكومة الوحدة الوطنية وكل جوانب الأزمة لها قابليّة داخليّة للحلّ، لكن القرار الأميركي المعطِّل يحول دون ذلك، وأبرز معالم فشل الأميركيين سقوط قوة الردع الإسرائيلية واستقدام البوارج الأميركيةبعد اتصالات عديدة لم يجب عليها، كانت الرسالة القصيرة خير خيار لتحديد موعد مع مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله: قَبِل السيّد نوّاف الموسوي، بعد SMS يائس ـــ خرطوشة أخيرة، لقاءنا في هذه الظروف الأمنية المتدهورة، فيما كان خبر مرابضة المدمِّرة «كول» على الشواطئ اللبنانية قد وصل قبل ساعات قليلة من الموعد.
وصلنا إلى المكان المحدّد من قبل مكتب «وزير خارجية» حزب الله. طلب منا أحد الموجودين الجلوس في غرفة تزيّنها بعض الصور والشعارات، إضافةً إلى علمي لبنان والحزب. على عرض الحائط، علّقت صورة كبيرة للمشاركين في مهرجان النصر، أيلول 2006، ومعها صورة للسيّد حسن نصر الله ورسالته للمجاهدين خلال عدوان تموز، وفي مقابلها صورتان لمؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران ومرشدهابعد دقائق قليلة، يدخل الموسوي ويجلس على كرسيّه تحت صورة كبيرة للشهيد عماد مغنيّة، يحيط به العلمان وآية قرآنية.
الدقائق الأولى كانت فائقة الصعوبة، لكن السؤال الطبيعي عن قرار إرسال البارجة الأميركية إلى قرابة الشواطئ اللبنانية أطلق العنان للموسوي الذي باشر حديثه، كاسراً الجليد المحتمل بين أي شخصين يلتقيان للمرة الأولى.
يرى الموسوي أنّ الإجراء الأميركي الأخير أخذ على أعلى المستويات في سياق الاستعدادات الجارية لتطوير الأوضاع، وهو جزء من الحرب النفسية التي تشنّ على المقاومة وتمثّل الإرادة الأميركية «في حرب تهدف إلى السيطرة على هذا البلد مقدمةً لاستكمال السيطرة على ما بقي من قوى قادرة على رفض الإملاءات الأميركية في لبنان». وعن رؤية الحزب للحدث الأخير، يؤكد الموسوي أنّ الخطوة الأميركية الأخيرة «قد أعادت الصراع إلى نصابه وسلّطت الضوء على حقيقته وأخرجته من الزواريب ومن المحاولات المبذولة بصورة حثيثة لتأطيره على شكل انقسامات مذهبية أو طائفية أو دفع الأمور إلى فتن داخلية».
والمعنى الرمزي الكبير واضح جرّاء مرابضة هذه المدمّرة وتلك التي يمكن أن تأتي، بحسبه، فـ«أنّ إسرائيل لم تعد قادرة على القيام بمهمّتها، ولا أحد في العالم إلا يرى أنّ قرار جورج بوش بضرب إيران هو جنون».
وعن رد فعل الحكومة التي نفت علمها بالقرار الأميركي، يقول الموسوي إنّ نفي طرف لبناني مصنّف في الدائرة الأميركية علمه بالأمر «يؤكد أن الأميركيين يتعاملون مع المحسوبين عليهم دون حتى استشارتهم بالخطوات التي يراد تنفيذها»، مشدداً «هذا إذا أخذنا النفي بعين الاعتبار وعلى محمل الجدّ».
وأزمة الثقة بين القوى تبدو واضحةً في حديث الموسوي فـ«ما يعلنه البعض لا يمكن الركون إليه، فلو كانت هناك إرادة حرة في مواجهة التحديات المقبلة، لبات من الطبيعي أن تؤلّف حكومة وحدة وطنية، مشيراً إلى عدم وجود أي مشكلة بتأليفها بعد انتخاب رئيس للجمهورية، «لكن فليتمّ الاتفاق عليها أولاً». لذلك، فإنّ الأفعال التي تنمّ عن وجود إرادة حرة ورغبة في توحيد الموقف اللبناني تبدأ من القبول بقيام حكومة المشاركة.
وعن حكومة الوحدة هذه، يرى الموسوي أن بالإمكان وفقاً للمعطيات الداخلية التوصل إلى صياغة حلّ، «لكن ما يؤدي إلى تمادي الأزمة هو أنّ الأميركيين لا يزالون يعتبرون لبنان ساحة لتصفية الحسابات والابتزاز، ضاغطين لعدم وجود حكومة متوازنة تحقق الاستقرار الوطني، مفضّلين حكومة الدمية التي تُستخدم».
واستقلال لبنان، بحسب الموسوي، لا يتم بمعزل عن وحدة وطنية فعلية، «وهذه لا تُحقق لا من خلال الدبكات والخطب والشعارات التي تذوي أمام الانقسامات على اختلافها»، بل من خلال تحقيق المشاركة في صناعة القرار «الذي يمكن من خلاله تحييد لبنان عن ساحة الصراعات والرغبة الأميركية في فتح الحرب على كل الجبهات». والمبادرة العربية، بحسبه، لا جدوى منها أيضاً ما دام القرار في اتّجاه معاكس تماماً للتوافق.
وفي الحديث عن الأزمة الحالية وإمكان تطوّرها، يشير الموسوي إلى حرص المعارضة على تفادي حرب أهلية، فـ«تحمّلنا ضريبة غالية من الدم وهدّأنا قلوب المصابين وأولياء الشهداء، مقابل استسهال أقطاب الموالاة السير في التحريض الطائفي إلى حده الأقصى والقيام بممارسات ميدانية تغذي هذا الانقسام القائم».
وعن إمكان تدهور الوضع الأمني والداخلي، يقول الموسوي «أستبعد أن يصل الجنون بأحد إلى أن يسمح للأميركيين بإلقائه في أتون لن يحترق فيه سواه».
لا يربط الموسوي بين طبيعة الأزمة والقمة، ولا حتى بين حلّ الأزمة ونجاح القمة، فـ«الأزمة قائمة بذاتها»، يقول لينتقل للحديث عن قرار متّخذ للقضاء على المقاومة في العالم العربي، فيذكر ما يحصل في فلسطين «في ظل عجز عربي، على الأقل، إن لم نقل تواطؤ متعمّد من قبل أنظمة عربية أخرى»، مذكراً بدور المحور الدولي والعربي الذي شارك خلال حرب تموز بمحاولة استئصال المقاومة، «وهو لا يزال قائماً»الحديث عن الأنظمة العربية، يعني أيضاً الجامعة العربية، «التي لا أكترث لاهتزاز بنيتها إذا اشتدّ الصراع العربي»، ليعيد ويقول «لا أشغل بالي كثيراً بهذه المؤسسات لأني لا أذكر مجالاً أثبتت فيه القدرة على تحقيق أي إنجاز» ليكرر أزمات اليمن، دارفور، اجتياح صدّام للكويت، اجتياحات إسرائيل للبنان والقضية الفلسطينية، فـ«الجامعة أصبحت لزوم ما لا يلزم».
ويشير الموسوي إلى الآلة الإعلامية الهائلة التي تُمَوَّل بشكل جارف، ساعيةً إلى «تغييب الأدوار الخطيرة التي تقوم بها أنظمة عربية، وهدفها تغيير الوقائع وتزييف الحقائق»، فيصبح المستسلم حكيماً ورزيناً وديموقراطياً، فيما يتحوّل المقاوم والمدافع عن أطفاله وحقّه بالعيش إرهابياً وظلامياً ومغامراً.
وعن مواجهة هذا الأمر، يقول السيّد الموسوي بهدوء تام، «اليوم ما يهمّنا أكثر أنّ هناك هجوماً يشنّ علينا ومحاوره متعدّدة، ونريد القتال على المحور لا فتح نزاعات جديدة».
للتدويل حصة من المزاح مع الموسوي. فالحديث عن توجّه الموالاة إلى هذه الخطة «شبيه بالحديث عن الديك الذي قرر أن يجعل الشمس تشرق، ومن الممكن أن يكون الديك مقتنعاً تماماً بأنه لولا صياحه لما طلعت الشمس». فالأميركيون هم الذين يديرون هذه العملية مباشرة وهم من بإمكانهم خفض الصوت أو رفع. ويضرب الموسوي مثلاً: «فلان خفض فجأة صوته، ومع زيارة إليوت أبرامز علا صوته من جديد».
الأميركي، بحسبه، لا يزال يعدّ نفسه في لحظة الهجوم، «لكن في تقديرنا إنه نزع الاحتضار، وعادة اختلاجات الجسد أشد ما تكون في النزع الأخير»، مشيراً إلى أنّ الحديث عن بدء انهيار المشروع الأميركي يلفت إليه أيضاً مركز دراسات مجلس العلاقات الخارجية الذي يصدر «الفورن أفّيرز» وما كتبه ريتشارد هيس أنّ «السيطرة الأميركية على الشرق الأوسط لم تدم إلا 15 عاماً»، ويرى أنها انتهت بسبب الفشل العسكري الأميركي في العراق والفشل العسكري الإسرائيلي في لبنان.
لكنّ الموسوي يميّز بين تداعي المشروع الأميركي واستمرار النفوذ الأميركي في المنطقة، فيشير إلى أنّ الخطوة الأهم هي إسقاط الهجمة الأميركية «ولم ننته من هذه المرحلة بعد». أما عن تصوّرات ما بعد إسقاطها، فيلفت إلى أنّ هذا السؤال طرح منذ 1982ــــ1983، أي «كيف يركب الوضع الداخلي اللبناني وماذا بعد الانسحاب الإسرائيلي»، ليؤكّد الجواب «ليس هذا النقاش الآن، وإنما المهم اليوم دحر الاحتلال الإسرائيلي. واليوم المسألة شبيهة».
وبشأن الحديث عن استعداد إسرائيلي لعدوان جديد، وعن أنّ الجيش الإسرائيلي أعدّ العدة ويريد تفادي الثغر والأخطاء التي وقع فيها خلال تموز، يجيب الموسوي «من قال إننا لم نجد ثغراً أخرى وندفعه إلى المزيد من الإجراءات التي تؤدي إلى هزيمته؟».
وفيما يرى البعض أنّ حزب الله خسر على الصعيد الاستراتيجي في حرب تموز، يرى الموسوي أن مهمة بعض القوى السياسية في لبنان «تشويه صورة الإنجاز الذي حقق في الحرب الأخيرة، لأنّ هذا الإنجاز يحرج خيارات سياسية لأنظمة عربية ويفتح آفاقاً واسعة أمام المقاومة وحضورها في الوجدان العربيبالنسبة إليه، ومستشهداً بتقرير فينوغراد، «المقاومة حققت إنجازاً كبيراً بهزيمتها الجيش الإسرائيلي في مواجهة استخدم الأخير فيها أقصى طاقته التدميرية والعسكرية، وليس صحيحاً أنه استخدم جزءاً منها. ترسانة الصواريخ الإسرائيلية نفدت في الأيام الأخيرة من حرب تموز».
على الصعيد الداخلي، أكد الموسوي لقاء حزب الله وفداً من وزارة الخارجية الفرنسية، مشدداً على أنّ أسباباً أمنية أدّت إلى تأجيل اللقاء ليوم واحد. ونفى الموسوي حمل الفرنسيين رسالة أميركية إلى الحزب، «جلسنا حوالى ساعتين والنقاش الأطول كان حول الأزمة السياسية الداخلية، وجزء آخر يتعلّق بقراءة الوضع العام في المنطقة».
ونفى الموسوي وجود مبادرة فرنسية جديدة. إلا أنهم «أعربوا عن استمرار فرنسا دعم المبادرة العربية، دون أن يعلّقوا على قضية المدّمرة»، فيما سجّل الحزب موقفه من القرار الأميركي المعرقل ومواصلة الحرب المفتوحة على لبنان «التي تمثّلت بتصعيد عالي الوتيرة باغتيال الحاج القائد عماد مغنية». وعن أي طرح فرنسي، أجاب «لست معنياً بالقول ما قالوه هم».
وعن الشهيد مغنية، أعاد الموسوي تأكيد ما قاله السيّد حسن نصر الله عن تولّي الجانب السوري التحقيق في الجريمة. وفي ما يخص إنكار وليد جنبلاط شهادة مغنية، ردّ «هناك حضيض ودرك أسفل يقبل الشخص النظر إليه فضلاً عن أن يطأه، هذا الدرك الأسفل والحضيض لا ننظر إليه بطرف بصرنا فضلاً عن أن نطأه».
بعدما اقترب من منظمة العمل الشيوعي، أعادت كتب السيّد محمد باقر الصدر الموسوي إلى النضال الديني. فقد درس، إضافةً إلى الهندسة، الفلسفة الإسلامية والغربية. ينتمي السيّد الموسوي إلى جيل ما قبل تأسيس حزب الله، إذ بدأ العمل منذ عام 1977 في التثقيف الديني عبر لجان المساجد والعمل العام عبر الإغاثة. وهو من مواليد بيروت عام 1966، فيما ينتمي في الأصل إلى بلدة أرزون قضاء صور. متزوّج وله أربع بنات.