قوى تميّزت بوسطيّتها تضع نفسها في واجهة الدفاع عن الوطنهل أعاد الأميركيون رسم خريطة التحالفات؟ قد يكون هذا السؤال «متفائلاً» لكنّه مشروع. فقد أدّى اغتيال عماد مغنيّة ومجيء المدمّرة كول إلى إبراز مواقف قوى سياسيّة بعيداً عن الاستقطابين، 8 و14 آذار. هنا إضاءة على قراءة لـ 3 أحزاب: الشيوعي، الجماعة الإسلاميّة، وحزب التحرير
ثائر غندور
عندما تحول عماد مغنيّة إلى شهيد، قال الكثيرون إنه أسهم بموته في حماية المقاومة التي عمل طوال حياته على تطوير أدائها وجهوزيّتها. ومن يسمع حديث عدد من الشخصيّات السياسيّة النقدي لانجرار حزب الله إلى زواريب بيروت، وارتياحهم إلى «إعادة تحديد البوصلة» بعد اغتيال مغنيّة، يتذكّر كلام بعض مسؤولي حزب الله في هذا الإطار.
على من يجول في بيروت أن يفتح أذنيه لعبارات تصدر عن رجال كانت لهم أدوارٌ مختلفة في العمل المقاوم في الثمانينيات، والتحقوا بركب «محبّي الحياة»، وتقول: «سلّحونا، فالأميركي جادٌ في رغبته بالنزول إلى أرضنا ونريد أن نكون مستعدين».
منذ سنة، كان القول إن الأميركي يريد أن يأتي إلى لبنان كلاماً يوضع في خانة «الخشبيّ» من الكلام، ويُنعت قائله بأنه قادم من زمن مضى.
الحزب الشيوعي دعا إلى التعبئة العسكريّة لمقاومة عدوان تمّوز 2006، واختلطت دماء «الرفاق» بدماء «مجاهدي» حزب الله في بلدة صريفا الجنوبيّة. لكن العلاقة السياسيّة بين الفريقين، وإن كانت جيدة، لم تصل إلى انضمام «الشيوعي» إلى تشكيلات المعارضة، وهو الذي تقول قيادته دائماً إنه في قلب معارضة النظام. كذلك، دعت الجماعة الإسلاميّة إلى الجهاد في حرب تمّوز، وبقيت جزءاً من تشكيل 14 آذار تحافظ على تميّزها، ولم تنقطع علاقتها بحزب الله كما حصل مع العديد من قوى 14 آذار.
كذلك الأمر مع حزب التحرير، الذي بادر في حرب تمّوز إلى استقبال النازحين من الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبيّة، في خطوة رفضها في البداية المحيط الطبيعي لهذا الحزب. لكن «حزب الله لم يبادلنا بالإيجابيّة التي بادرناه بها، ربما لأنه على علاقة وثيقة بالنظام السوري»، كما يقول الناطق الإعلامي باسم الحزب أحمد القصص.بعد اغتيال مغنيّة، صدرت بيانات عن هذه القوى الثلاث أدانت الاغتيال ووضعته في السياق الطبيعي للحرب الإسرائيليّة ــــ الأميركيّة على المقاومة في المنطقة العربيّة. وكان أعنف هذه البيانات بيان حزب التحرير الذي جاء فيه: «إلا أننا لن نفاجأ إذا اتضح يوماً أن أشخاصاً أو دوائر من داخل أحشاء الأنظمة العفنة في بلاد المسلمين متورطون أو مشاركون في الجريمة. إذ لولا هؤلاء لما تمكّن كيان اليهود من الاستمرار هذه العقود. بل إن هذا الكيان يشترك مع الأنظمة العميلة في العالم الإسلامي في منظومة من الأعداء، ترأسها دول الغرب، رمت الأمة الإسلامية عن قوس واحدة». ويرى نائب الأمين العام للجماعة الإسلاميّة إبراهيم المصري أن ردّ حزب الله على هذه العمليّة هو ردّ مشروع وطبيعي ويوضع في خانة الدفاع عن النفس، وهو أمر معني فيه حزب الله بالدرجة الأولى.
ثم جاءت المدمّرة كول. عادت وأكّدت هذه القوى موقفها. وتضع الجماعة الإسلاميّة مجيء المدمّرة في خانة التهويل «ولن يكون لها أي أثر على الداخل اللبناني»، بحسب المصري، كما يرى أن الأميركيين لن ينزلوا إلى الأرض لأنهم جرّبوا هذا الأمر في عام 1983، «ولحق الجنود بالسفن فوراً بسبب ما أصابهم».
ويضيف المصري أن مجيء المدمّرة يأتي ضمن معلومات تقول إن السوريين سيقدمون دعماً بشكل أو بآخر إلى حزب الله في حال نشوب مواجهة مع إسرائيل، وقد يتمركز جيشهم شمالاً، ووظيفة هذه المدمرة إرهاب سوريا. فيما يقول القصص إن مجيئها يأتي في سياق الوجود الأميركي في المنطقة، وهو «جزء من حلقات الهيمنة الأميركيّة على بلاد المسلمين، الذي يتحمّل المسؤوليّة عنه حكّام المنطقة من دون استثناء، الذين عوّدوا الأميركيين التدخل».
بدوره، يقول نائب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني سعد الله مزرعاني إن مجيء المدمّرة أعاد ترتيب الأولويات، «لتكون مواجهة المشروع الأميركي على رأسها، وأسهم في إقناع بعض القوى، التي كانت متوهّمة أن الصراع في لبنان هو لبناني بحت، بأنه جزء من الصراع الإقليمي». ورأى أن الأميركيين يستكملون العمل في سياسة الضغط أو دبلوماسيّة البوارج والأساطيل، وعلى جميع القوى المواجهة لهذا المشروع التوحّد في معركتها، «رغم أن التباينات في مجال مصير النظام السياسي وشكله المستقبلي تبقى موجودة». وأشار مزرعاني في هذا الإطار إلى وجود حالة تشاور بين الشيوعي وحزب الله وعدد من الأطراف بشأن مصير المنطقة بعد أن يفشل المشروع الأميركي، «وهو أمر لم يصل إلى حالة نوعيّة بعد»، لكنّ «الصراع في لبنان هو جزء من الصراع في المنطقة، وإن الولايات المتّحدة تتحمل مسؤولية الأزمات اللبنانية والفلسطينية والعراقية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر».
ويذكر المصري أن الجماعة اتصلت بالرئيس فؤاد السنيورة، فأكّد أنه لا علم له بشأن مجيء المدمّرة الأميركيّة. وطالب المصري الحكومة اللبنانيّة باتخاذ موقف رافض لأي وجود عسكري أميركي، كما أكّد عدم تراجع الجماعة الإسلاميّة عن الجهاد إذا حصل اعتداء إسرائيلي أو أميركي على لبنان.
ويؤكّد القصص الموقف ذاته، رغم أنّه يشير إلى أن حزب التحرير لا يملك جناحاً مسلّحاً، لكن «على شبابنا، كما على سائر المسلمين، مواجهة الكفرة». وهو يميّز بين أن يكون نزول الأميركي بإرادة منه وحده أو بطلب من الحكومة اللبنانيّة، وفي الحالة الثانية «علينا أن نضغط على الحكومة لتغيّر قرارها السياسي، وهذه الحال شبيهة بحالة اليونيفل»، «وإذا نزلوا نزولاً هجومياً، حتى لو كانت الحكومة قد طلبت مجيئهم وجب إعلان الجهاد ضدّهم».