لا يُخفي الطبيب الكوبي الذائع الصيت، رودريغو ألفاريس كامبراس (73 عاماً)، شعوره بالفخر عندما وطئت قدماه أرض لبنان، في جولة تحمل أبعاداً علمية وأخرى سياسية، تشبه تماماً شخصية هذا الجراح الماهربسام القنطار
يعقد الطبيب الكوبي رودريغو ألفاريس كامبراس حاجبيه عندما يتحدث بثقة واعجاب عن «انتصار الشعوب» التي شكلت مقاومة الشعب اللبناني أحد ابرز تجلياتها حين استطاعت هزيمة أميركا وإسرائيل. ويقول: «عام 1983 حمل الجيش الأميركي صناديق قتلاه ورحل. وعام 2000 تكرر المشهد مع إسرائيل في جنوب لبنان. لا شك في أن هناك ألماً كبيراً ومعاناة طويلة، ولكن على المدى البعيد النصر لن يكون إلا حليف الشعوب».
زيارة كامبراس الى لبنان تشمل أنشطة عدة. فهو يرأس اتحاد جمعيات الصداقة الكوبية العربية، ورئيس شرف للاتحاد العربي في كوبا، ولديه الكثير ليقوله لجمعيّتي الصداقة اللبنانية ـ الكوبية والفلسطينية ـ الكوبية اللتين تنشطان في لبنان.
كامبراس القادم من الأردن عن طريق سوريا، بعدما شارك في مؤتمر الطب العربي الذي تنظمه الجمعية الطبية العربية ـ الكوبية لمتخرّجي كليات الطب في كوبا، سيتحدث في ندوة علمية في نقابة الأطباء في لبنان عن «النظام الصحي في كوبا وبنك الأنسجة».
وللنظام الصحي في كوبا حكايات يطول شرحها، لكن يكفي أن نشير الى أن جراحة زراعة الركبة، التي نجح كامبراس في إتمامها عام 1970، تصل كلفتها في لبنان إلى 30 ألف دولار بالإضافة إلى التكاليف الأخرى للمستشفى. في حين لا تكلّف المواطن الكوبي أي قرش.
وعن بنك الأنسجة في كوبا يقول كامبراس: «هو أول بنك في العالم، وقد اعترفت به الولايات المتحدة التي لا تعترف أصلاً بالنظام الكوبي، وهو مرتبط بتاريخ إنجازات الطب في كوبا منذ الطبيب والعالم الكوبي الشهير ألبرتو انكلان كوستا عام 1926، الذي أوجد المبادئ الأساسية لتأسيس بنك الأنسجة، إلى أن نُقل إلى المركز العلمي الدولي لجراحة العظام مجمع «فرانك باييس» Frank Pais (ثائر كوبي شهير) الذي أسسه كامبراس.
وعن طريقة عمل بنك الأنسجة يقول كامبراس: «نحتفظ بجميع الأنسجة لزرعها من غضروف ورباط العظم وصمامات القلب وغيرها».
تجدر الإشارة إلى أن كامبراس يملك خبرة تصل إلى 40 عاماً في مجال زراعة الركبة والفخذ، وقد صمم عدداً من الأجزاء التعويضية، صنعتها الشركة الفرنسية بروستيل Prosteel. وتتوافر هذه الأجزاء في عشرات من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة.
وفي شأن ثقافة وهب الأعضاء والأنسجة في كوبا، يؤكد كامبراس «أن ثقافة الوهب موجودة عموماً في كوبا، ولكنها منظمة إدارياً بحيث يُجبر كلّ مواطن كوبي على أن يصرّح بقبوله أو رفضه وهب أعضائه. وفي بعض الأحيان تعترض عائلة المتوفى على الأمر، ونحن نحاول إقناعها، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بحياة أناس وبإرادة الواهب المذكورة صراحة على بطاقة هويته». ويشير كامبراس إلى «إمكان زرع أنسجة الحيوانات، وخاصة من الماشية، في جسد الإنسان، وهذه الأنسجة تخضع لعملية تجفيف وسحب السائل. كما يستخدم جلد عدد من الحيوانات في مداواة الحروق الخطرة، وهذا ما مكّننا من إنقاذ العديد من الناس حتى عندما تكون هناك حروق من الدرجة الثالثة».
يرى كامبراس، العضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، وأحد المقاتلين الأمميين في أفريقيا أيام الشباب، والذي شارك في النضال السري للثوار ضد نظام باتيستا، أن التغيير السياسي الذي حصل في كوبا ووصول راوول إلى سدة الحكم بعد تنحّي فيديل، هما «عملية انتقال هادئة وشفافة للسلطة، والإمبريالية راهنت على انهيار الوضع في دقائق، وهذا ما لم يحصل. لقد بكى الشعب الكوبي عندما تنحّى فيديل، لكنه كان مقتنعاً بأن راوول هو أفضل شخصية يمكن أن تخلفه، وأدرك شعبنا أهمية وحدته وأهمية أن يكون صامداً في وجه أكبر وأقسى قوة دولية».
وعن الوضع في المنطقة يؤكد كامبراس أن الهجمة الأميركية على المنطقة «ليست جديدة، بل إن الإمبريالية وضعت هذا المخطط منذ قيام إسرائيل عام 1948، وهم اليوم يحتفلون بذكرى مرور 60 عاماً على قيام هذه الدولة. وهذا المخطط عمره أيضاً 60 عاماً، وهو يهدف إلى الاستفادة من الثروات النفطية، وهناك الكثير من الحوادث، مثل حرب الخليج، سهّلت هذه المهمة».
ويضيف: «لم نعد نعلم إن كانت إسرائيل تدور في فلك الولايات المتحدة أم العكس. ولكن في النهاية، هناك مثل شعبي في كوبا يقول: من يدفع ثمن الصحون المكسّرة؟ هنا في الشرق الأوسط الشعب الفلسطيني هو الذي يدفع ثمن الصحون المكسّرة».
كامبراس المطمئن إلى تضامن معسكر رافضي الهيمنة الأميركية في أميركا اللاتينية، رغم كل محاولات أميركا، قلق جداً من «نقص عامل الوحدة بين الدول العربية، الذي له دور أساسي في هذا الوضع السيّئ. بعض العرب يتحمل مسؤولية انعدام عامل الوحدة، والجرائم التي تحصل اليوم في غزة ستدوّن في التاريخ. وأنا لا استوعب كيف أن شعباً عانى من المحرقة يمكنه أن يقوم بمحرقة جديدة بحق الشعب الفلسطيني».
يقدّر كامبراس الشعب اللبناني الذي قاوم المحتل. واللبنانيون الذين يرون أن مصالحهم تتقاطع والمصالح الأميركية «لا أعتقد أنهم يمثّلون الأكثرية». وبرأيه «الطائفية في لبنان هي التي تطغى على التحليل السياسي، وهذا خطأ كبير، والتاريخ سيثبت ذلك. وأنا أسجّل للشعب اللبناني كيف كافح ضد أميركا وإسرائيل وطرد المحتل الإسرائيلي من أرضه، وهذا الشعب يعرف كيف يدافع عن نفسه وأرضه ووطنه وسينتصر».
لا ينسى كامبراس حمل راية المعتقلين الكوبيين الخمسة في سجون الولايات المتحدة، ويرى أن استمرار اعتقالهم خلافاً لقرارات الأمم المتحدة «يفضح زيف الديموقراطية الأميركية». وهو تعهد بمتابعة العمل من أجل تحفيز الضغط الدولي لتحريرهم. ‏