أنطوان سعديُزَيَّن لبعض المراقبين والسياسيين المخضرمين ممن أدَّوا دوراً بارزاً في الحياة السياسية اللبنانية في السبعينيات والثمانينيات في معرض تعليقهم على خبر إبحار المدمرة الأميركية كول على مقربة من المياه الدولية قبالة لبنان، أن ينوهوا بمواقف القيادات السنّية الموالية والمحايدة التي أعلنت مواقف منها تتراوح بين التنصل والاعتراض على مجيئها إلى الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
ويعرب هذا البعض من المخضرمين عن اعتقاده بأن الإدارة الأميركية التي أخذت قرار إعلان اقتراب يو أس أس كول من السواحل اللبنانية لأنها «تعتقد أن إظهار الدعم مهم لاستقرار المنطقة»، و«لأننا قلقون جداً في شأن الوضع في لبنان»، كما ذكرت الوكالات الأميركية نقلاً عن مسؤولين أميركيين، لم تدرس قرارها بتروٍّ، ولم تأخذ وضع حلفائها اللبنانيين بالحسبان على الأرجح. بدليل أن الفريق الحاكم، وفي مقدمه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، تبرأ من القرار، واستدعى القائمة بالأعمال في السفارة الأميركية، ميشال سيسون، وذهب إلى أقصى مستوى تأنيب بإمكانه أن يستخدمه من غير أن يثير استياء الإدارة الأميركية.
ويسجل المراقبون سلسلة ملاحظات على هذه المسألة:
ـ إن من يفترض أن تكون المدمرة قد أتت لدعم سياساتهم وخياراتهم تبرأوا من مجيئها وسجلوا اعتراضهم في شكل واضح وعلني، أكان ذلك من خلال كلام الرئيس السنيورة، أم من سحنته المكفهرة لدى استقباله سيسون، أم من خلال مواقف مراكز القوى الأساسية داخل فريق
الموالاة.
ـ إن مَن دافع عن مجيء المدمرة كول، أو شكر للولايات المتحدة إرسالها، لم يقدّر بدوره وضع الفريق الحاكم المحرج عربياً وإسلامياً خوفاً من الظهور في موقف المستجير في يوم كربته «من الرمضاء بالنار».
وربما كان هؤلاء قد قاموا نيابة عن الفريق الحاكم بإعلان الترحيب والشكر حتى لا يُقابَل الموقف الأميركي الداعم بإدارة ظهر من كامل الموالاة.
ـ ثمة مفارقة.
إن الأوساط المحيطة بالقيادات التي اعترضت على الإعلان عن مجيء المدمرة كول، باعتبار أن قطع البحرية الأميركية غالباً ما تقوم بمهمات مشابهة، عكست أجواء معاكسة لمواقف قياداتها، في حين أن الأوساط المحيطة بالقيادات التي رحبت بالمدمرة لم تُبدِ على وجه الإجمال أي ترحيب، ولم تعلّق آمالاً كبيرة على مجيئها، ربما لأنها خبرت في الماضي مآل البوارج.
ولعل في كلام البطريرك الماروني نصر الله صفير لنقابة المحررين خير تعبير عما يشعر به الوسط المسيحي: «الدول الكبرى تتحرك وفق مصالحها، وقد سبق للاميركيين أن جاؤوا إلى لبنان، وتعرفون النتيجة، ولا نرغب في تكرار
المأساة».
ـ إن ما وفّره حضور البارجة كول للفريق الحاكم من دعم، يوازي ما وفّره للمسيحيين كلام مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ويلش لدى خروجه من بكركي قبل أشهر، القائل بالتزام بلاده الدفاع عن مصالح المسيحيين.
إذ أظهرت الأشهر التالية لحضوره ضموراً في الدور المسيحي في المعادلة السياسية اللبنانية، من جراء الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، فيما هذا الدور غير وازن أيضاً في الحكومة القائمة، وغير قادر على تنفيذ شيء من مطالب المسيحيين المزمنة.
ـــــ لم يستنكر أي من المسيحيين الموالين والمعارضين موقف ويلش، ولم يوجه أحد في لبنان أو خارجه، موالياً كان أو معارضاً، سنياً أو شيعياً، أصولياً أو قومياً، انتقاداً لكلامه أو اتهاماً للمسيحيين باستدراج الدعم الأميركي والاستقواء بالغرب، رغم أن كلام مساعد وزيرة الخارجية كان مباشراً في هذا الاتجاه، وليس غير مباشر كما هي الحال مع خبر إرسال
البارجة.
والسبب هو أنه لم يعد هناك أحد يمكنه أن يصدق وعود واشنطن والتزاماتها حيال المسيحيين بعدما أعطت «ضوءاً أصفر»، لسوريا لدخول لبنان، ومن ثم السيطرة عليه، وفق ما قالت أبريل غلاسبي يوماً لسفير لبنان في واشنطن عبد الله بو حبيب.
وكذلك بعدما غطت التحالف الانتخابي الرباعي الذي كرّس تهميش المسيحيين بعد خروج القوات السورية من لبنان، رغم الموقف الشهير للبطريرك الماروني «وقد أَعذَرَ من أَنذَر» الذي حذّر من مغبة المضي في انتخابات نيابية وفق قانون مجحف وتحالفات وتوزيع حصص لا تعطي القوى المسيحية المتحالفة معها شيئاً
يُذكر.
لا يختلف اثنان في لبنان، من أقصى الموالاة إلى أقصى المعارضة، أن على الولايات المتحدة أن تجري تبديلاً جذرياً في سياستها تجاه لبنان.