ثائر غندوريدور نقاش حول «ماذا يجب أن تفعل المقاومة؟». غزّة تتعرض للقتل اليومي. نسمع ممن كان يطالب بسحب سلاح المقاومة، مطالبته لها بالتدخل لمساندة أهل القطاع. ويصل البعض إلى اعتبار أن المقاومة لم تفز في حرب تمّوز لأنها لم تتقدّم. عندما يتحدّث مسؤولو حزب الله عن هذا الموضوع يقولون: المقاومة ليست جيشاً، ونصرها يكون عبر منع العدو من تحقيق أهدافه، واستراتيجيّتها دفاعيّة. ويذكر بعض هؤلاء المسؤولين في جلساتهم الضيقة أن المقاومة كانت ترى أن سقوط الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني في يد الجيش الإسرائيلي أمر طبيعي، وما حصل من منع تقدم القوات الإسرائيلية لم يكن في الحسبان أساساً. وكانت خطة المقاومة تقضي باعتراض الدخول الإسرائيلي وتكبيده خسائر، ومن بعد وصوله إلى الليطاني العودة إلى عمل المقاومة.
وكانت خطط المقاومة واضحة حول كيف يمكنها أن تنزل الخسائر بإسرائيل ضمن الأراضي المحتلّة. ويقول أحدهم إن نصر الله طلب من المقاومين الانسحاب من عيتا الشعب وبنت جبيل وغيرهما من المناطق، لكنّهم رفضوا لأن الواقع العسكري كان لمصلحتهم. ويضيف أن «الانسحاب حتى جنوب الليطاني لم يكن ليعدّ هزيمة بالنسبة إلينا، لأن دور المقاومة ليس الدفاع بأسلوب الجيوش التقليدي بل شن حرب عصابات».
ويشير مسؤول آخر إلى سياق تطوّر الأمور في الفترة الأخيرة من احتلال الجنوب، أي قبل العام 2000. يومها استطاع المقاومون توجيه ضربة للعملاء فقتلوا أكثر من 15عميلاً في عمليّة واحدة، «فزعلنا، لأن هؤلاء، وإن كانوا عملاء، كان بالإمكان التعامل معهم على نحو مختلف بعد زوال الاحتلال ولا ضرورة لقتلهم». فقرّرت قيادة المقاومة حينها ضرب مفاصل العملاء لجر الجيش الإسرائيلي إلى المواجهة. وهذا ما حصل، فتكبّد خسائر دفعته للانسحاب.
لكن العدو لم يصل حتى إلى هذه النقطة، وهذا ما يشير إلى نجاح استراتيجيا دمج أسلوبي حرب العصابات والجيش التقليدي ضمن قالب جديد لا يعرف حقيقته سوى القادة العسكريّين في المقاومة. إضافة إلى بدء بعض الكليّات العسكريّة تدريس هذا الأسلوب.
ويتحدث القادة في حزب الله عن التفكير الذي تعتمده المقاومة: الاستعداد اللوجستي والتقني المتطور والكفايات القتالية العالية، مما يذكّر بعماد مغنية، الذي اعتمد مجموعة من الأساليب في مواجهة العدو.
وتبدو الابتسامات كبيرة على وجوه قادة الحزب، فالمعطيات أكثر من مطمئنة، وقد عملوا على اكتشاف ثغر إضافية في الجسم الإسرائيلي، وتحوّل الصراع السياسي إلى الوجهة التي يريدونها. لم يعد من الضروري التيه في عواصف السياسة الداخليّة الضحلة، صارت المعركة تأخذ الشكل المفضّل عندهم: مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين، وإن أراد الأميركيون التدخل «فلا مانع». ويقلل أحد مسؤولي المقاومة من أهمية كثافة القوات الدولية، ومساندة الجيش اللبناني لها، مكتفياً بالقول: «الحروب الحديثة لم تعد تفترض التحام الطرفين عند الحدود».